للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقوله: يَا ابْنَ الحَلَالِ، وَأَما أنَا فَلَست بِزَان، وَنَحوُه تعرِيضٌ لَيسَ بِقَذفٍ وِإن نَوَاه، لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي، وهنا لا دلالة في اللفظ ولا احتمال، وما يُفْهمُ منه، فمستنده قرائنُ الأحوال، وفيه وجه أنه كناية وهو قوي.

وَقَولُهُ: زَنَيتُ بِكَ إِقرَار بِزِنا وَقَذْف، أي فيترتب عليه مقتضاهما، وَلَوْ قَالَ لِزَوجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَت زَنَيْتُ بكَ أو أَنتَ أَزنَى مِني فقَاذِف وَكَانِيَة، لاحتمال جوابها، فَلَوْ قَالَت: زَنَيْتُ وَأَنتَ أزْنَى مِني، فَمقرة وَقَاذِفَة، لأن كلمة المبالغة؛ وإن كانت تقتضي الاشتراك في الأصل والإختصاص بالزيادة، لكن قولها أنت أزنى مني خارج مخرج الذم، ومثل ذلك محتمل على وضع اللسان كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف إذ قال لأخوته: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} (٨١)، وَقَولُهُ: زنى فَرجُكَ أَوْ ذَكَرُكَ قَذفٌ، لأنه آلة ذلك العمل، وَالمَذهب أَن قوله: يَدُكَ وَعَينُكَ، وَلوَلَده: لَسْتَ مِني أو لَسْتَ ابنِي كِنَايَة، وَلوَلَدِ غَيرِهِ لَسْتَ ابنَ فلَان صَرِيح إِلَّا لِمَنفِي بِلَعَان، أما في الأولى: فلأن المفهوم من زنا هذه الأعضاء اللمس والنظر على ما قاله -عليه السلام-: [العينَانِ تَزْنِيَانِ وَاليَدَانِ يَزنِيَانِ] (٨٢) وهذه طريقة الأكثرين فيها. والطريق الثاني: حكاية وجهين كما ذكره الرافعي، أو قولين كما حكاه القاضي، ووجه من قال بصراحة ذلك القياس على الفرج بجامع أنه أضاف الزنا إلى عضو من الجملة، وأما في الثانية، والثالثة؛ فالنص فيهما ما ذكره، وللأصحاب طرق أصحها تقرير النصين، والفرق أن الأب يحتاج في تأديب الولد إلى مثل هذا الكلام زجرًا له فيحمل على التأديب


(٨١) يوسف / ٧٧: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}.
(٨٢) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ قال: مَا رَأيتُ شَيْئًا أشبة بِاللمَمِ مِمَّا قَالَ أبو هُريرةَ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظهُ مِنَ الزنَا أدرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ: فَزِنا العَينِ النظَرُ، وَزِنَا اللسَانِ المَنطِقُ؛ وَالنفسُ تَمَنى وَتَشتَهِي؛ والفَرجُ يُصَدقُ ذَلِكَ ويكذبهُ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب القدر: الحديث (٦٦١٢). ومسلم في الصحيح: كتاب القدر: باب قدر على ابن آدم: الحديث (٢٠/ ٢٢٦٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>