للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للمسلمين، وَإِلاَّ، أي وإن دعت ضرورة إلى رميهم بأن تترسوا بهم في حال التحام القتال، وكانوا بحيث لو كففنا عنهم ظفروا بنا وكبرت نكايتهم، جَازَ رَمْيُهُمْ فِي الأَصَحِّ، أي على قصد قتال المشركين ويتوقى المسلمين بحسب الإمكان؛ لأن مفسدة الإعراض أكثر من مفسدة الإقدام، ولا يبعد احتمال طائفة للدفع عن بيضة الإسلام، ومراعاة الأمور الكليات وهذا ما نص عليه أيضًا، والثاني: لا يجوز الرمي إذا لم يمكن ضرب الكفار إلاّ بضرب المسلمين لأن غايته أن نخاف على أنفسنا، ودم المسلم لا يباح بالخوف بدليل صورة الإكراه، قال الرافعي: وأشعَرَ إيرادُ الغزالي أن تخصيص الوجهين بما إذا تترس الكفار بطائفة من المسلمين في صف القتال فإنه أجاب بالمنع فيما إذا تترس الكفار بمسلم، قُلْتُ: وتبعه الحاوي الصغير حيث قال: لا كافر بِمُسْلِمٍ.

فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ الإِنْصِرَافُ عَنِ الصَّفِّ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا، لقوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ... } الآية (٣٣٤)، وهو أمرٌ بمعنى الخبر؛ وإلاَّ لَوْ وَقَعَ خلافَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وهو محالٌ وقد ثبت أنَّ التولي يوم الزحف من الكبائر، إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ؛ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ... } الآية (٣٣٥)، وَيَجُوزُ إِلَى فِئَةٍ بَعِيْدَةٍ في الأَصَحِّ، لمطلق الآية، والثاني: يشترط أن يكون فئة قريبة ليتصور الاستنجاد بها في القتال وإتمامه، ثم هذا كله في


(٣٣٤) الأنفال / ٦٦: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وَلحَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: [مَنْ فَرَّ مِنَ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ] رواه الطبراني في المعجم الكبير: الحديث (١١١٥١): ج ١١ ص ٧٦٠. وفي مجمع الزوائد: ج ٥ ص ٣٢٨؛ قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(٣٣٥) الأنفال / ١٦: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>