للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إظهار دينه، وَإِلاَّ وَجَبَتْ إِنْ أَطَاقَهَا، لقوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... } الآية (٣٥٢)، مع قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: [لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ مَا قُوْتِلَ الْكُفَّارُ] صححه ابن حبان (٣٥٣)، وَلَوْ قَدَرَ أَسِيْرٌ عَلَى هَرَبِ لَزِمَهُ، إقامةً لِدِيْنِهِ، وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلاَ شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالَهُمْ، أي قتلًا وسَبْيًا لأنهم لم يَسْتَأْمِنُوهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ حَرُمَ، عملًا بما التزمه، وكذا لو أطلقوه على أنه في أمان منهم فلم يستأمنوه، فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ، كما في دفع الصائل، وَلَوْ شَرَطُواْ أَنْ لاَ يَخرُجَ مِنْ دَارِهِمْ لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ، أي بل عليه الخروج؛ لأن في ذلك تركِ إقامةَ الدِّينِ.

فَصْلٌ: وَلَوْ عَاقَدَ الإِمَامُ عِلْجًا يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ، أي وهي جُعَالَةٌ بجعلٍ مجهول غير مملوك احتمل للحاجة، وسواء كانت الجارية المعينةُ حُرَّةً أو أَمةً؛ لأن الحرَّةَ تُرَقُّ بالأسر، وخرج بقوله (وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ) ما إذا قال الإمام: له جارية مما عندي؛ فإنه لا يصح للجهل بِالْجُعْلِ كسائر الْجُعَالاَتِ؛ ولا تجوز هذه المعاقدة مع مسلم على الأصح عند الإمام، وتبعه الحاوي الصغير؛ لأن فيه نوعٌ من غررٍ فلا يحتمل معه بخلاف العلج، فَإِنْ فُتِحَتْ بِدِلاَلَتِهِ أُعْطِيَهَا، أي فلا حق فيها لغيره؛ لأنه استحقَّها بالشرطِ قبلَ الظَّفَرِ، أَوْ بِغَيْرِهَا، أي أو فتحت بغير دلالته، فلاَ


(٣٥٢) النحل / ٢٨: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. قلتُ: الأوجه في الاستدلال بالآية ٩٧ - ٩٩ من سورة النساء، قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}.
(٣٥٣) رواه ابن حبان، ينظر الإحسان: باب الهجرة: ذكر خبر يعارض في الظاهر ما وصفنا: الحديث (٤٨٤٦). والنسائي في السنن: كتاب البيعة: ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة: ج ٧ ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>