للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إِذَا صُولِحُواْ فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، اتباعًا لعمر - رضي الله عنه - وروي مرفوعًا لكنه منقطع (٣٧١)، زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيةٍ، لأن التمليك يجب في الجزية والضيافة مبنية على الإباحة، وَقِيْلَ: يَجُوزُ مِنْهَا، لأنه ليس عليهم إلّا الجزية، وثبت عن عمر كما قال في الذخائر أنه لم يأخذ منهم مع الضيافة شيئًا آخر فلعلها بلغت القدر الواجب، وَتُجْعَلُ، يعني الضيافة، عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لاحتمالهما أياها، لاَ فَقِيْرٍ فِي الأَصَحِّ، لأن الضيافة تتكرر فيشق عليه القيام بها، والثاني: تجعل عليه كالجزية، والثالث: تجعل على المعتمل دون غيره؛ قال الرافعي: وهو حسنٌ.

فَرْعٌ: قال أصحابنا: يُشْتَرَطُ عليهم تزويد الضيف كفايته ليوم وليلة؛ ذكره في الذخائر.

وَيَذْكُرُ، يعني الإمام عند اشتراط الضيافة، عَدَدَ الضِّيْفَانِ رِجَالاً وَفُرْسَانًا، لأنه أنفى للغرر، وَجِنْسَ الطَّعَامِ وَالأُدْمِ وَقَدْرَهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا، أي من الخبز وكذا من السمن أو الزيت؛ لأنه أنفى للغرر كما سلف، وَعَلَفَ الدَّوَابِّ، أي من تبن أو حشيش أو قتٍّ، ولا يحتاج إلى ذكر قدر العلف، فإن ذكر الشعير بَيَّنَ قدرَهُ، وإطلاق العلف لا يقتضي الشعير نصَّ عليه؛ وإنما هو التبن والحشيش، وَمنْزِلَ الضِّيْفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ ومَسْكَنٍ، لما أسلفناه، والضيافة تستلزم ذلك أيضًا


(٣٧١) • أثر عمر - رضي الله عنه -؛ عن الأحنف بن قيس؛ (أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ كان يشترط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا قناطر، وإن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب الضيافة في الصلح: الأثر (١٩٢٠٠).
• أما الحديث المرفوع؛ ولكنه منقطع؛ عن أبي الحويرث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ضَرَبَ عَلَى نَصْرَانِيًّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ دِيْنَارًا كُلَّ سَنَةٍ؛ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلاَثَمِائَةِ دِيْنَارٍ كُلَّ سَنَةٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُواْ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ثَلاَثًا، وَأنْ لَاَ يَغُشُّواْ مُسْلِماً]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب كم الجزية: الحديث (١٩١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>