للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خِيَانَةً ... } الآية (٣٨٤)، فإن لم يخفها لم يجز، ويفهم من هذا أن عقدها لازم، وَيُبَلَّغُهُمُ الْمَأْمَنَ، أي بعد استيفاء ما وجب عليهم من الحقوق، وَلاَ يَنْبُذُ عَقْدَ الذَّمَّةِ بِتُهْمَةٍ، أي بخلاف عقد الهدنة، والفرق بينهما من وجوه ذكرتها في الأصل منها أن عقد الذمة آكد؛ لأنه مؤبَّدٌ، ولأنه عقد معاوضة.

فَصْلٌ: وَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةِ تَأْتِيْنَا مِنْهُمْ، أي بخلاف شرط رد الرجل إذا هاجر مسلمًا، والفرق أنه لا يؤمن أن يصيبها زوجها الكافر أو أن تزوج من كافر، فَإِنْ شُرِطَ فَسَدَ الشَّرْطُ، أي سواء كان لها عشيرة أم لا لاستقرار الشريعة على منع الرد، وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الأَصَحِّ، كالشرط الفاسد إذا قرن بالعقد، والثاني: لا؛ لأنها ليست بآكد من النكاح وهو لا يفسد بالشروط الفاسدة، وهذا الخلاف هو عين الخلاف السالف في كلام المصنف أول الباب؛ لكنه ضَعَّفَهُ هناك وقَوَّاهُ هنا فخالف.

وَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ رَدًّا فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ لَمْ يَجِبْ دَفْعُ مَهْرٍ إِلَى زَوْجِهَا في الأَظْهَرِ، لأنه لو وجب بدل البضع لكان ذلك مهر المثل لا ما أنفق الزوج، والثاني: يجب لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} (٣٨٥) والمراد منه الصَّدَاقُ، ولأن البُضع متقوَّمٌ وهو حقه وقد أحلنا بينه وبينه.

وَلاَ يُرَدُّ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ، لضعفهما؛ بل ولا يجوز الصلح بشرط ردهم، وَكَذَا عَبْدٌ وَحُرٌّ لاَ عَشِيْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنه جاء مسلمًا مراغمًا لهم، والظاهر: أنهم يسترقونه ويهينونه ولا عشيرة له تحميه، ووجه الرد أن المنع في حق النساء لخوف الفاحشة، وهو وجه في العبد لا طريقة، نعم؛ قال الرافعي: إن الذي يوجد للمعظم فيه منع الرد فأبدله المصنف بالمذهب، وأما مسألة الحر فالصحيح فيها طرد الوجهين في العبد، ومنهم من قطع فيه بالردِّ؛ لأن الْحُرَّيَّةَ في الجملة مظنةُ القوة والاقتدار.

وَيُرَدُّ مَنْ لَهُ عَشِيْرَةٌ طَلَبَتْهُ إِلَيْهَا، كما [رَدَّ - عليه السلام - أَبَا جَنْدَلَ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ بنِ


(٣٨٤) الأنفال / ٥٨: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}.
(٣٨٥) الممتحنة / ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>