إِنِ اسْتَطاَبَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيْمَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، أي مَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ عَلَيهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ، فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ، وَإنِ اسْتَخْبَثُوهُ فَلاَ، لأن القرآن أُنْزِل بلغتهم وهم المخاطَبون به، ويشترط فيهم الشروط المذكورة فلا عبرة بأهل الحاجة ولا بالأجْلاَفِ ولا بحال الْجَدْبِ، وَإن جُهِلَ اسمُ حَيَوَانٍ سُئِلواْ وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ، أي حِلًا وحُرمًا، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اعْتُبِرَ بِالأَشْبَهِ بِهِ، أى إما صورةً أو طبعًا أو طعمًا (٤٥٢).
فَصْلٌ: وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ حَرُمَ أَكْلُهُ، لأنها صارت من الخبائث، وَقِيْلَ: يُكْرَهُ، لأن النهي الوارد فيه إنما كان لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم بدليل المذكى إذا جاف وهذا ما نقله الرافعي في الشرح والتذنيب عن إيراد الأكثرين، لا جَرَمَ عقّبه المصنف بقوله: قُلْتُ: الأَصَحُّ يُكْرَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ، وتبع الرافعي في المُحَرَّرِ الإمام والبغوي والغزالي لكنه اعترض عليه في التذنيب، والجلاّلة: هي التي تأكل العذرة والنجاسات سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم والدجاج، ثم قيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة، وإن كان الطّاهر أكثر فلا، وهذا قضية كلام المصنف في تحريره، والصحيح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة والنتن كما جزم به المصنف فإن وجد في عرقها وغيره ريح الجلالة فهو موضع النهي وإلاّ فلا، فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ، لَحْمُهَا، لزوال التغيير، حَلَّ، لزوال العلة.
فُرُوعٌ: كما يمنع لحمها يمنع لبنها، وكذا بيضها، ويكره الركوب عليها بدون حائل، وحكمُ السَّخْلَةِ الْمُرَبَّاة بِلَبَنِ كَلْبٍ كَالْجَلَّالَةِ.
(٤٥٢) قلتُ: الأصل في الأشياء جواز الانتفاع بها ما لم يرد دليل المنع، وقد ورد دليل المنع بنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: [نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ الْجَلاَلةِ وَأَلْبَانِهَا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأطعمة: باب النهي عن أكل الجلالة: الحديث (٣٧٨٥) وإسناده صحيح. والترمذي في الجامع: كتاب الأطعمة: باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة: الحديث (١٨٢٤).