وفيه نظرٌ، لأن من كان في دار وخرج منها إلى السوق مثلًا يُعَدُّ ساكنًا؛ نظرًا إلى أن عادة الساكنِ أن يخرج ويدخل، وَإنِ اشْتَغَلَ بِأسْبَابِ الْخُرُوجِ: كَجَمْعِ مَتَاعٍ؛ وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ؛ وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ، لأنه لا يعدُّ ساكنًا.
وَلَوْ حَلَفَ لاَ يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فخَرَجَ أَحَدَهُمَا فِي الْحَالِ لَم يَحْنِثْ، لعدم المساكنة؛ فإنْ مكثا بلا عذر فيه حنث، وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلِكُلَّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الأَصَحِّ، لاشتغاله برفع المساكنة، والثاني: يحنث لحصولها إلى تمام البناء مِنْ غير ضرورة، وهذا ما صححه الجمهور كما نقله الرافعي وتبعه عليه في الروضة، وما في الكتاب هو ما صَحَّحَهُ البغويُّ وعجيبٌ مِن الْمُحَرَّرِ وَالمُصَنِّفِ كَيْفَ تابعاهُ وخالَفَا الجمهورَ، وهذا كله إذا قَيَّدَ المساكنةَ ببعض المواضعِ لفظًا وإليه الإشارة بقوله (هَذِهِ الدَّارِ)، فأما إذا لم يُقَيَّدْهَا لفظًا؛ فَيُنْظَرُ: إن نوى موضعًا معينًا من بيتٍ أو دارٍ أو محلةٍ أو بلدةٍ؛ فالأصح: أن اليمين محمولةٌ على ما نوى وإلاّ فَيَحْنَثُ بالمساكنة في أيِّ موضعٍ كان.
وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَدْخُلُهَا، يعني الدار، وَهُوَ فِيْهَا أَوْ لاَ يَخْرُجُ وَهوَ خَارِجٌ فَلاَ حِنْثَ بِهَذَا، لأنه ليس داخلًا ولا خارجًا، فلو نوى بالدخول الاجتناب فأقام حنث في الأصح، أَوْ لاَ يَتَزَوَّجُ؛ أَو لاَ يَتَطَهَّرُ؛ أو لاَ يَلْبَسُ؛ أَو لاَ يَرْكَبُ؛ أَوْ لاَ يَقُومُ؛ أَوْ لاَ يَقْعُدُ فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الأَحْوَالَ حَنَثَ، قُلْتُ: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ، وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ، هو كما قال، فإنه صرَّحَ في الشَّرْحِ: أنه لا حنث فيهما، وَفَرَّقَ بأن الاستدامة فيهما ليست كالابتداء، ولهذا لا يقال: تزوجتُ شهرًا أو تطهَّرْتُ شهرًا، بلْ مُنْذُ شهرٍ بخلاف غيرهما؛ يقول: لَبِسْتُ الثوبَ شهرًا وركبتُ الدابة شهرًا وكذا الباقي.
وَاسْتِدَامَةُ طِيْبٍ لَيْسَ تَطَيَّبًا فِي الأَصَحَّ، لأنه لم يحدث فعلًا؛ ولهذا لو تطيَّبَ ثم أَحْرَمَ واستدامَ لا تلزمهُ الفديةُ، والثاني: نعم؛ لأنه منسوبٌ إلى التَّطَيُّبِ، وَكَذَا وَطْءٌ؛ وَصَوْمٌ؛ وَصَلاَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ، أي على الأصح في كلها ويتصور ذلك في الصلاة إذا حلف ناسيًا لها فإن اليمين ينعقد.