* ومنذ قرون صار حال النَّاس إلى فوضى في الحكم، واضطراب في القياس، وجهل عام بأصول الإسلام، وضعف شديد في فهم الإسلام أصاب أذهان عامة النَّاس؛ بل خاصتهم. وصار يطلق على كل مخالف لرأي عند البعض، أو مخالف لأمر معهود عند العامة، أنَّه محدث أو نسب إلى تيار فكري معين أو اتجاه سياسي وصار أمره إلى شبهة مبهمة وخطر لا يعرف. واتخذت منه مواقف العداوة والهجران، أو الإهمال وغلق الآذان عن سماع حقه أو باطله؛ ونسى الكثيرون أن الدين النصيحة. في كتاب الاعتصام؛ قال الشاطبي: حكى الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ حاله مع أهل زمانه فقال: (عجبت من حالي في سفرى وحضرى مع الأقربين مني والأبعدين؛ والعارفين والمنكرين؛ فإنى وجدت. بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها مرافقاً أو مخالفاً؛ دعانى إلى متابعة ما يقوله، وتصديق قوله والشهادة له. فإن صدقته فيما يقول وأجزتُ له ذلك- كما يفعل أهل هذا الزمان- سَمانِى مُوَافقاً؛ وإن وقف في حرف من قوله أو شيء من فعله، سَمَّانِى مُخَالِفاً، وإن ذكرت في واحد منها أن كتاب الله والسُّنة بخلاف ذلك وارد، سَمَّانِي خَارِجِياً، وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سَمَّانى مُشَبهاً، وإن كان في الرؤية سَمَّانِي سَالِمِيَاً، وإن كان في الإيمان سَمَّانِي مُرْجِئِياً، وإن كان في الأعمال، سَمَّانِي قَدَرِيّاً، وإن كان في المعرفة سَمَّانِي كَرَامِيّاً، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر، سَمَّانِي نَاصِبيّاً، وإن كان في فضائل أهل البيت، سَمَّاني رَافضِيّاً، وإن سكت عن تفسير آيه أوَ حديث فلم أجب فيهما إلَّا بهما =