للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= معنى (النكد) فالصورتان الحسيتان تعطيان معنى مدركاً في الذهن بالمتقابل في الطيب المستعذب بالنفس، والنكد العسر الممتنع وما تقبض النفس منه، فيكون معنى الخبيث فى سياق النص، بما لا تستسيغه النفس وتكرهه.
* أما المعنى الثالث، فهو ما يأتى بالقرينة التي تجعل الإثم على الشيء أو الفعل أو تجعل في تركه حصول الإثم واستحقاق العقوبة وفي فعله الاستحسان وحصول الأجر، فبالقرينة يصير الشئ في دائرة الطيبات أو في دائرة الخبائث، فكأن إيمان الإنسان وإسلامه لرب العالمين جعله ينصهر في الطاعات ويشمئز من المعصيه، ويستحسن ما حسَّنه الشرع وتطيب نفسه له، ويستقبح ما قبحه الشرع فتخبث نفسه له، فصرف دلالة المعنى اللغوي والمفهوم للكلمة في لسان العرب إلى مفهرم شرعي تحتمه العقيدة ويفرضه الإيمان بها. قال تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ
الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة / ١٠٠]، فالخبيث هنا الحرام والطيب الحلال لقرينة اتقوا الله في النص وحصول الفلاح للمتفكرين المستعملين عقولهم في الانصهار في الفكر والمعتقد والاتباع، فيحدث التسامي النفسي والرقة والإرهاف في حسهم وشعورهم وفكرهم في ضرورات تقصد الطاعة على البديهة من غير تكلف، والسجية من غير تنطع، والفطرة من غير عَسر ممتنع.
ومن هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف / ١٥٧] فأوجز ما يحصل في النفس من استساغة الحلال وامتناع الحرام مقروناً بدوافع التقوى ومقاصد طلب الرضوان.
* أما الخبيث بمعنى السُّم فقد جاء في السنة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدواء الخبيث؛ يعني السم. والمعنى واضح لأن السُّمَّ لا يصلح للتداوى إذ
يحصل به القتل، لهذا جاء في الحديث: [وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ] [٢]؛ فيكون الدواء الخبيث هو السم لأنه عالج به قتل نفسه. أما مجرد شرب السم فليس بحرام على الإطلاق، لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركَّب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع، فدخوله مع غيره في الخلطة يخرجه عن حال كونه سماً إلى حال كونه دواءً.
وبناءً على ما تقدم تظهر دلالة الخبيث في حديث البصل والثوم، بأن المراد هو المستكره ذوقاً والذى لا تستسيغه النفس، أو تتأذى منه الأنوف عند شمه. وبخاصة أن هذه المعانى جاءت في نص الأحاديث في الباب؛ إذ ورد تتأذى، أو أكرهه، وحتى =

<<  <  ج: ص:  >  >>