وَلَيسَ لِلْوَكِيلِ أَن يوكِّلَ بِلا إِذْن إِن تأتى مِنْهُ مَا وَكّلَ فِيهِ، كما ليس للوصي أن يوصي، نعم؛ قال الجُوْرِيُّ: لو وكَّله في قبض دين فقبضه وأرسله مع بعض عياله إلى الموكل لم يضمن أو مع غيره ضمن، وإن لَمْ يَتَأَتَّ لِكَونِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَليقُ بِهِ فَلَهُ التوْكِيلُ، عملًا بالعرف فإن المقصود من مثله الاستنابة.
وَلَو كَثُرَ؛ وَعَجَزَ عَنِ الإتيَانِ بِكُلّهِ؛ فَالمَذْهَبُ: أَنهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمكِنِ، أي عن موكله لا عن نفسه على الأصح دون الممكن لعدم الضرورة إليه، وقيل: يوكل في الممكن، لأنه ملك التوكيل في البعض فيوكل في الكل كما لو أذن صريحًا، والطريق الثاني: إطلاق وجهين في الكل، وعبارة المُحَرَّرِ بدل العجز عدم الإمكان.
وَلَوْ أذِن فِي التَّوْكِيلِ وقال: وَكِّل عَن نَفْسِكَ، فَفَعَلَ، فَالثانِي وَكِيلُ الوَكِيلِ، لأنه مقتضى الإذن، وَالأصَحُّ: أَنْهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ، أي ينعزل الثاني بعزل الأول وبانعزاله أيضًا أي بموته وجنونه وهذا بناء على أن الثاني وكيل الوكيل، ووجه مقابله مبني على أنه وكيل الموكل ولم يذكر في المُحَرَّرِ مسألة الانعزال، وَإِن قَال: وَكِّل عَنِّي، الثانِي وَكِيلُ المُوَكلِ، لأن التوكيل في التوكيل جائز اتفاقًا، وَكَذَا لَو أَطْلَقَ، أي بأن قال: وكلتك في كذا وإذنت لك في أن توكل فيه ولم يقل عنك ولا عني، فِي الأصَح، لأن التوكيل تصرف بولاية الوكيل بإذن الموكل فيقع عنه، والثاني: أنه وكيل الوكيل، وكأنه قصد تسهيل الأمر عليه، وهذا هو الأصح في نظره في القاضي إذا قال لنائبه استنب ولم يَقُل عَنِّي.
قُلتُ: وَفي هَاتَينِ الصُّورَتَينِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ، لأنه ليس وكيلًا له؛ ولو سكت المصنف عن هذا لَعُلِمَ من التفريع، ولكنه أراد زيادة إيضاح. وَحَيثُ جَوَّزنَا لِلوَكِيلِ التوكِيلُ؛ يُشتَرَطُ أن يُوَكِّلَ أَمِينًا، رعاية لمصلحة الموكل، فإن وكل خائنًا لم يصح، لأنه خلاف المصلحة وظاهر إطلاق المصنف أنه