لا يجوز توكيل الخائن وإن كان الموكل عين الثمن والمبيع منه، لأنها استنابة عن الغير وهو أحد احتمالي صاحب المطلب، إِلَّا أَن يُعَيِّنَ المُوَكلُ غَيرَهُ، أي غير الأمين فيتبع تعيينَهُ لإذنه فيه، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ! لَم يَملِكِ الوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الأصَح، وَالله أعلَمُ، لأنه أذن له بالتوكيل دون العزل، والثاني: نعم، لأن الإذن في التوكيل يقتضي توكيل الأمناء، فإذا فُسِّقَ لم يجز استعماله فيملك عزله، وخصَّ الغزالي الجواز بما إذا قال: وكل عني، وَاستَشكلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ العَزْلِ، كما قال ابن الرفعة: لأنه ليس وكيلًا عنه فكيف يقدر على عزله، وقال بعض المتأخرين: ينبغي أن يفرع على أنه وكيل عن نفسه فيملك عزله أو عن الموكل فلا يملك.
فَصْلٌ: قَال بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّن أو في زَمَنٍ أَو مَكانٍ مُعَينٍ تَعَيَّنَ، تبعًا لتخصيصه، وَفِي المَكانِ وَجهٌ إِذَا لَمْ يتَعَلَّقْ به غَرَضٌ، أي أنه لا يتعين لاتفاق الغرض فيها، وهذا ما أوردَهُ جماعة وهو المنصوص، وهذا إذا لم يُقَدِّر الثمن، فإن قَدَّرهُ جاز البيع في غيرِهِ، أما إذا تعلق به غرض بأن كان الراغبون فيه أكثر والنقدُ أجود، فإنه لا يجوز البيع في غيره جزمًا إذا لم يُقدِّر الثمن، ولو نهاه صريحًا عن البيع في غيره امتنع قطعًا.
وَإِن قَال: بِعْ بِمِائَة، لَمْ يَبِعْ بِأقَل، أي ولو بقيراط، وَلَهُ أنْ يَزِيدَ، لأن ذلك زيادة خير، إِلَّا أن يُصَرِّحَ بِالنهْي، لأن النطق أبطل حكم العرف، وقوله (وَلَهُ) يفهم أنه لا يجب عليه البيع بالزيادة إذا كان هناك راغب؛ والأصح في الروضة خلافه، وهذا كله إذا لم يعين المشتري، فإن عيَّنَهُ لم يزدْ قطعًا لأنه ربما قصد إرفَاقه، قال الغزالي: إلا إذا عَلِمَ خلافهُ بالقرينة ولو قال: اشتر عبد فلان بمائة فاشترى بأقل منها صح، وفرق الماوردي بأنه في البيع ممنوع من قبض ما زاد على المائة، وفي الشراء مأمور بدفع مائة ودفع الوكيل بعض المأمور به جائز.
وَلَوْ قَال: اشتَرِ بِهَذَا الدِّينَارٍ شَاةً وَوَصَفَهَا فَاشترَى بِهِ شَاتينِ بِالصِّفَةِ، فَإن لَم تُسَاو وَاحِدَة دِينارًا لَم يَصِح الشرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، أي وإن زادت قيمتها على الدينار