وكان زاهدا في الدنيا، متقللا منها، وكان يجلس بجامع القصر والرصافة وبباب بدر وغيرها. وما مازح أحدا قط، ولا لعب مع صبي، ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها.
قال الذهبي: كان رأسا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديها، ويسهب، ويعجب، ويطرب، ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ، والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع في النفوس، وحسن السيرة، وكان بحرا في التفسير، علامة في السير والتاريخ، موصوفا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيها، عليما بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، . . ما عرفت أحدا صنف ما صنف.
وذكر: أنه سرد الصوم مدة، واتبع الزهاد، ثم رأى أن العلم أفضل من كل نافلة فانجمع عليه، ونظر في جميع الفنون، وألف فيها. وكانت أكثر علومه يستفيدها من الكتب، ولم يحكم ممارسة أهلها فيها.
وكان ذا حظ عظيم وصيت بعيد في الوعظ، يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء. وكان رحمه اللَّه إذا رأى تصنيفا وأعجبه صنف مثله في الحال، وإن لم يكن قد تقدم له في ذلك الفن عمل لقوة فهمه، وحدة ذهنه، فربما صنف لأجل ذلك الشيء ونقيضه بحسب ما يتفق له من الوقوف على تصانيف من تقدمه.
قال الذهبي: وكذا وجد بخطه قبل موته أن تواليفه بلغت مائتين وخمسين تأليفا. ثم قال: وله أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف، وصنف شيئا لو عاش عمرا ثانيا، لما لحق أن يحرره ويتقنه.
توفي ليلة الجمعة بين العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعين