شغف الإمام أحمد منذ صغره بحب العلم والحديث وجمعه، ولم يتوقف رحمه اللَّه عن الرحلة وطلب العلم إلى أن مات، وعَلَّم أحمد درس الرحلة لتلاميذه فعلموها أبناءهم وتلاميذهم. ومن هؤلاء أبو حاتم الرازي (ت ٢٧٧ هـ) ظل يحصي ما يمشيه في سبيل العلم حتى بلغ ألف فرسخ فرأى ألا نهاية للإحصاء فكف عنه.
والمتتبع لسيرته لا يرى رغبته من قريب أو بعيد في تكوين مذهب خاص به، بل كان يُسئل فيجيب، فإن وجد نصًا ذكره، وإن كان أثرًا عن السلف قال به، وأرشد إليه، فإن لم يجد نظر إلى ما هو أقرب إلى النص والأثر فقال به وأفتى.
ولم يكتب الإمام أحمد فقهًا إلا مضطرًا يوم صلى وراء إمام أساء الصلاة فكتب إليه يعلمه.
ولما رأى ذات يوم من يكتب في مجلسه فتواه قال له: لا تكتب رأيي لعلي أقول الساعة بمسألة أرجع عنها غدًا. يقول الميموني: صحبت أبا عبد اللَّه على الملازمة من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين ومائتين وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم عليه الوقت بعد الوقت سألته عن مسائل كتبتها، فقال: أيش تكتب يا أبا الحسن، فلولا الحياء منك ما تركتك تكتبها، وإنه عليَّ لشديد، الحديث أحب إليَّ منها. قلت: إنما