ظهر في الجيلين الثاني والثالث من علماء الحنابلة من جمع هذِه المسائل التي دونها أصحاب الإمام أحمد وتلاميذه في الكتب أو حفظوها في صدورهم، في كتب جامعة، ورتب ونقح ورجح، ثم نسج أبواب الفقه معتمدًا عليها، وصار قصب السبق في ذلك لأبو بكر الخلال (ت ٣١١ هـ)، صرف عنايته إلى جمع علوم الإمام أحمد، وطاف لأجل ذلك البلاد وسافر للاجتماع بأصحاب أحمد وكتب ما روي عنه بالإسناد وتبع في ذلك طرقه من العلو والنزول، ووصل ما جمعه مائتي جزء ضمهم في مصنف واحد وسماه "الجامع لعلوم الإمام أحمد" وصار هو الأصل لمذهب الإمام أحمد، فنظر الأصحاب فيه وألفوا كتب الفقه منه.
ومن هنا بدأ ظهور الانتساب إلى الإمام أحمد، وأخذت أصول المذهب وخطوطه العريضة ومصطلحاته الدقيقة وآثاره النفيسة محل درس وتدريس واستقراء وتأليف وتقريب وتلقين، فكان للخلال اليد التي لا تنكر في حفظ تراث الإمام أحمد الفقهي ونقل مذهبه وتطويره بعد ذلك.
ثم قفاه في جمعها تلميذه أبو بكر بن عبد العزيز، المعروف بغلام الخلال (ت ٣٦٣ هـ)، ثم قفا غلامه: الحسن بن حامد (ت ٤٠٣ هـ) فبسط المذهب بأسانيده على أبواب العلم في جامعه "الجامع في المذهب" نحو أربعمائة جزء.
وتنتظم هذِه المرحلة والتي قبلها، باسم "طبقة المتقدمين" وتنتهي بوفاة شيخ المذهب في زمانه: الحسن بن حامد (ت ٤٠٣ هـ)(١).
(١) انظر "المدخل المفصل" للشيخ بكر أبو زيد ١/ ٤٥٥ وما بعدها.