وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة: فقدَّم الإمام أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدَّم حديث الوضوء بنبيذ التمر على القياس وأكثر أهل الحديث يضعفه، وقدَّم حديث أكثر الحيض عشرة أيام وهو ضعيف باتفاقهم على محض القياس فإن الذي تراه في اليوم الثالث عشر مساو في الحد والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر، وقدَّم حديث لا مهر أقل من عشرة دراهم وأجمعوا على ضعفه بل بطلانه على محض القياس فإن بذل الصداق معاوضة في مقابلة بذل البضع فما تراضيا عليه جاز قليلا كان أو كثيرًا.
وقدَّم الإمام الشافعي خبر تحريم صيد وج مع ضعفه على القياس، وقدم خبر جواز الصلاة بمكة في وقت النهي مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وقدم في أحد قوليه حديث من قاء أو رعف فليتوضأ وليبن على صلاته على القياس مع ضعف الخبر وإرساله.
وأما الإمام مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابى على القياس.
ويمكن تلخيص موقف الإمام أحمد من الحديث المرسل والحديث الضعيف في النقاط الآتية:
١ - أن الإمام أحمد رحمه اللَّه يأخذ بالمرسل إذا لم يجد نصا، ولا قول صاحب، ولا إجماعا على خلافه، فإن ذلك مقدم عليه.
٢ - أن المرسل عنده في رتبة الحديث الضعيف، ورأيه فيه قريب من رأيه في الضعيف. فالحديث الضعيف لم يكن يقول به إذا وجد خلافه، أو أثبت منه، وإنما كان يقدمه، ويقدم المرسل على القياس، كما ذكر ابن القيم عنه.