والحق أن تعدد الروايات عنه ترجع إلى عدة أسباب من أهمها ما يلي:
١ - أن الإمام رضي اللَّه عنه قد يجد للصحابة في المسألة قولين، ولم يجد حديثًا يرجح به أحد القولين على الآخر، فيترك المسألة، وفيها القولان المأثوران عن الصحابة. وقد تكون الأقوال أكثر من اثنين.
قال ابن القيم رحمه اللَّه: إذا اختلفت الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب، والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول (١). أهـ.
٢ - أن الإمام رضي اللَّه عنه كان متورعًا يكره البدعة في الدين، وأن يقول فيه من غير علم، ولما اضطر إلى الفتوى، وكثر استفتاؤه كان يتردد في القول أحيانًا، فقد يفتي بمقتضى الرأي، ثم يعلم الأثر في الموضوع، وقد يكون مغايرًا لما أفتى، فيرجع إليه مؤثرًا الرجوع عن أن يقول بغير الحديث، وربما لا يعلم من نقل عنه الرأي الأول الرجوع، فينقل عنه القولان في موضوع واحد، وبذلك نجد الرأي مختلف عند الرواة، أما الإمام فله رأي واحد في نفسه، وفي الواقع، ونفس الأمر.
٣ - أن الإمام قد يفتى في إحدى الواقعات بما يتفق مع الأثر، ثم يفتي في واقعة أخرى تقارب الأولى، ولكن اقترنت بأحوال، وملابسات جعلت الأنسب أن يفتي فيها بما يخالف الأولى، فيجيء الرواة، فيروون الاثنين، وهم يحسبون أن بينهما تضاربًا؛ لعدم نظرهم إلى الملابسات التي اقترنت بكل واقعة منهما، والحقيقة أن لا تضارب؛ لأن كل واحدة جاءت في حال، وأحاطت بها ملابسات فصلتها عن الأخرى.