كأبي بكر، ويمد مدًّا متوسطًا، وكان رضي اللَّه عنه من المصنفين في فنون علوم القرآن من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر إلى غير ذلك. وأما النقل فقد سلَّم الكل له بانفراده فيه بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظه منه ومعرفة صحيحة من سقيمه وفنون علومه وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك ومن أراد مقام معرفة أحمد في ذلك من مقام مالك فلينظر فرق ما بين المسند والموطأ. وقد كان أحمد يذكر الجرح والتعديل من حفظه إذا سئل عنه كما يقرأ الفاتحة ومن نظر في كتاب "العلل" لأبي بكر الخلال عرف ذلك ولم يكن هذا لأحد من بقية الأئمة.
وكذلك انفراده في علم النقل بفتاوى الصحابة وقضاياهم وإجماعهم واختلافهم لا تنازع في ذلك.
وأما علم العربية، فقد قال أحمد: كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني. وأما القياس فله من الاستنباط ما يطول شرحه (١).
قال أبو القاسم ابن الجبلي: أكثر الناس يظنون أن أحمد إنما كان أكثر ذكره لموضع المحبة وليس هو كذلك كان أحمد بن حنبل إذا سئل عن المسألة كان علم الدنيا بين عينيه.
وقال إبراهيم الحربي: أدركتُ ثلاثةً لن يرى الناس مثلهم أبدا وتعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم ابن سلام فما مثلته إلا بجبل نفح فيه روح، ورأيتُ بِشر بن الحارث فما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا، ورأيتُ أحمد بن حنبل فرأيته كأن اللَّه جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء.