للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استعمل في حفظ الأمانات، وولاه عمر بن محمد المتوكل بالله بن الأفطس أماكن متفرقة من الأندلس لأداء مهمة القضاء وفك المنازعات بين الناس، منها (أريولة) وأشباهها من الأماكن التي تصغُر عن قدره ومنزلته (١).

ونتيجة لاحتكاكه بالحكام وتوليته لمنصب القضاء، وقبوله لهداياهم وجوائزهم - وهم له على غاية البرِّ - تحسَّنت حالته، واتسعت ثروته ومات على مال وفير (٢)، ولم يكن ذلك ذريعة للتعلق بالدنيا وزخرفها بل لم يزل زاهدًا ومنقطعًا عن الدنيا متعلقًا بالآخرة، ومن شعره ووصيته لولديه ما يفيد ذلك.

هذا، وقد تسببت علاقته بالحكام في إثارة البغضاء والحقد والحسد، وكثُر القائل فيه، وأصبح عرضة لطعون الطاعنين لتعامله وموالاته للحكام مع ما كان عليه حالهم من شقاق وخلاف. ولا يخفى أن الإمام أبا الوليد الباجي لم يسْعَ للتودد للحكام ولا طلب عطاياهم، ولكنه لما قرَّبوه لم يمتنع لما في ذلك من إمكانية النصح لهم وإرشادهم وجمع كلمتهم، وهو من أهل العلم والأمانة، عليه واجب النصح خاصة والأندلس تعيش أزمات كثيرة وتقلبات سياسية، وقد وصف ابن بسام هذا الجوَّ المفعم بالفتن والاضطرابات السياسية بقوله: (فورد وعشبُ بلادها نابٌ وظفرٌ، وصوبُ عهادِها دمٌ هَدَرٌ، ومالها لا عينٌ ولا أثر، وملوكها أضداد، وأهواءُ أهلِها ضغائنُ وأحقاد، وعزائمهم في الأرض فساد وإفساد) (٣)، فكان أبو الوليد الباجي يعمل بمبدأ لزوم جماعة المسلمين والاعتصام بها، وعدم


(١) ترتيب المدارك: للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٥. بغية الملتمس للضبي: ٢٨٤. المرقبة العليا للنباهي: ٩٥. طبقات الداودي: ١/ ٢٠٩. الديباج المذهب لابن فرحنون: ١٢٠ - ١٢١. الروض المعطار للحميري: ٦٧. طبقات المفسرين للسيوطي: ٥٣. نفح الطيب للمقري: ٢/ ٧٧.
(٢) وكان ابنه أبو القاسم أحمد يرى أن هدايا وجوائز الحكام مال مشبوه وليس حقًا خالصًا من الشوائب لذلك تخلى عن تركة أبيه الواسعة وتورع عن الأكل منها (انظر سير أعلام البلاء للذهبي: ١٨/ ٥٤٦).
(٣) الذخيرة لابن بسام: ٢/ ١/ ٩٥.

<<  <   >  >>