إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وصلاة الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، وإخوانه، أجمعين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلقد أفرغ أئمتنا المجتهدون وسعهم في استثمار مصادر التشريع، وبذلوا طاقتهم في استنباط الأحكام بما آتاهم الله تعالى من سعة الفكر، وبُعد النظر، وقوة البيان، وسلامة الفطرة، وحسن القصد، هذا وإن اختلفت اجتهاداتهم فبناء على اختلافهم في مناهج البحث، وفي الأصول الموضوعة لكل مجتهد، فكان علم أصول الفقه كفيلًا بالنظر في الأدلة الشرعية، ومنهاجًا قويمًا للاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة والنصوص، ودعامة، أساسية لدراسة المذاهب والآراء المختلفة والمقارنة بينها، ومقياسًا توزن به الآراء عند الاختلاف، وسلامة لذهن الفقيه في تجنب الخطأ وإدراك الصواب، ووسيلة ناجحة لحفظ الدين وصيانة الشريعة، ولا يخفى أنه لا يستغني عن هذا الفن من تأهل للنظر والاجتهاد، ومن يهتم بعلم الفقه والخلاف.