للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مشرِّفة من فئة صالحة من العلماء مغلوبة على أمرها وتعالت أصواتها مندِّدة للباطل والجور والطغيان ومستنكرة لهذا الوضع المتردي وما آلت إليه البلاد والعباد من فساد (١).

هذا، وعلى نقيض الوضع السياسي والاجتماعي المتردي فإن الجانب الثقافي والعلمي والأدبي كاد يكون العصر الذهبي لجميع مظاهر الفكر، فقد حفل هذا العصر بحصاد ثقافي وعلمي كبير، ومردُ ذلك إلى عدة عوامل من أهمها إفراد كل ملك ببلاط فخم يجمع إلى جانبه جماعة الفكر والأدب (٢) مع تمتع كل ملك بمستوى راق في الميدان العلمي والأدبي (٣)، وفي هذا السياق يقول الأستاذ عنان: (وإنها لظاهرة من أبرز ظواهر عصر الطوائف أن يكون معظم الملوك والرؤساء من أكابر الأدباء والشعراء والعلماء، وأن تكون قصورهم منتديات زاهرة، ومجامع حقة للعلوم والآداب والفنون) (٤)، كما أن الازدهار الفكري والأدبي يرجع أيضًا إلى تمتع الحياة الفكرية في مسيرتها بشيء من الاستقلال من عصر الخلافة إلى أن آتت ثمارها في عهد ملوك الطوائف بتشجيع من الملوك وتحت حمايتهم رغم طغيانهم المطبق. ومن عوامل الازدهار أيضًا التنافس الجاد


(١) للعلامة أبي محمد بن حزم وصف لفتنة الطوائف وتصرفات ملوكها المستهترين وحكوماتها الباغية في ردود له على جملة من الأسئلة الفقهية وردت ضمن رسالة موسومة بعنوان (التلخيص لوجوه التلخيص) (انظر مقتطفًا من هذا الرد في دول الطوائف لعنان: ٤٢٠).
(٢) والملاحظ أن قصور الملوك على تعددها فإن كل بلاط كان يختص ببعض الفروع العلمية التي يميل إليها صاحب القصر، فبغض النظر عن العلوم الشرعية فقد ازدهر الشعر في قرطبة وإشبيلية، وفي طليطلة عاش أكثر النباتيين من العلماء الأندلسيين، وفي سرقسطة ازدهر الفلك والفلسفة (انظر تاريخ المغرب والأندلس لبدر: ١٦١. دول الطوائف لعنان: ٤٣٥. تاريخ الفكر الأندلسي لبالنثيا: ١٤ - ١٧).
(٣) دول الطوائف لعنان: ٤٢٣. تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان: ٣٠٨. تاريخ المغرب والأندلس لبدر: ١٦١.
(٤) دول الطوائف لعنان: ٤٢٣.

<<  <   >  >>