للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معالم أخرى:

وضعت مظاهر الرفاهة والغنى والحياة الرغدة في مقابر أسرة سنفرو في ميدوم ودهشور والجيزة، ومنها مقبرة زوجته حوتب حرس التي يعتقد الأثري ريزنر أن أغلب محتوياتها قد نهبت في دهشور في عهد ولدها العظيم خوفو، وإذا صح هذا كان معناه أن التقديس الرسمي للملوك لم يكن يمنع بعض رعاياهم من الاعتداء على آثارهم إذا سنحت لهم الفرصة ودفعهم دافع الطمع. ولا زال القليل الباقي من آثار حوتب حرس التي نقلت إلى مقبرة أخرى في الجيزة، ينم عن ذوق رفيع في صناعة وزخرفة سريرها ومقعدها ومحفتها، وتطعيم أخشابها بالأبنوس وتصفيحها برقائق الذهب، وصناعة حليها الفضية وملاعقها الذهبية وأوانيها المرمرية وأباريقها وقناني دهونها الأنيقة، ثم في تنفيذ نقوشها الصغيرة التي صورت الملكة وسجلت ألقابها، وصورت زوجها على عرشه، وصورت عدة زخارف على هيئة الفراشات والحيات في روعة وإتقان بالغين. ثم نقوش الأميرين نفرماعت ورع حوتب في ميدوم وقد صورت بعض وجوه العمل اليومي في الزراعة وتربية الحيوان والملاحة والصيد فضلًا عن بعض وسائد المرح الخفيف. ورسوم مقبرة الأميرة إتت زوجة الأمير نفرماعت التي تعتبر من أفضل رسوم الدولة القديمة، وأهم ما بقي منها هي اللوحة المشهورة بلوحة الأوز، وتتميز بدقة تفاصيلها وألوانها ووضوح نسيج ريش طيورها، مع طرافة توزيع ظلالها، وتصوير الحشائش وحبات الحصى الصغيرة تحت أقدام هذه الطيور. وأخيرًا تمثالًا الأمير رع حوتب وزوجته نفرة، وكل منهما غني عن التعريف بما اكتمل فيه من سلامة النسب والحيوية المتدفقة التي زاد منها احتفاظ كل منهما بألوانه الأصيلة وتطعيم عينيه، مع الاهتمام البالغ بتصوير ملامح الوجهين والنجاح في التعبير عن مشاعر صاحبيهما١، ولا زال المتحف المصري بالقاهرة يفخر باحتوائهما.

ولم تقتصر مظاهر الرخاء في عهد سنفرو على آثاره وآثار أسرته، وإنما دلت نصوص فردية من عهده على أن مجال الثراء ومجال الترقي في المناصب الحكومية كانا متاحين للنابهين من أفراد شعبه. ومن هذه النصوص نص رجل يدعى مثن، ذكر فيه أنه لم يرث عن أبيه غلالًا ولا أثاثًا، وإنما قليلًا من المدخرات والأتباع، وأنه بدأ حياته الوظيفية باشكاتبًا لإدارة التموين وأمينًا على محتوياتها، ثم ترقى في الوظائف حتى ولي إدارة بعض أقاليم الوجهين، القبلي والبحري، فضلًا عن رئاسة عدد من مدنهما الكبيرة. وذكر أنه كوفئ بإقطاعية واسعة من الأرض، واستغل اثنتي عشرة ضيعة لحسابه، وشاد لنفسه دوارًا أحاطت به حدائق غناء، وبلغت مساحته معها نحو عشرة آلاف متر مربع. وذلك فضلًا عن خمسين فدانًا "سثاة" كان قد ورثها عن أمه. ولم تقتصر إنعامات الدولة عليه على شئون دنياه وحدها، وإنما كفلت له رزق آخرته، فخصصت لمقبرته مائة رغيف يوميًّا قربانًا من معبد شعائر أم ولد الملك "ني ماعت حاب" "وهي أم زوسر"٢.


١ توجد هذه النماذج بالمتحف المصري.
٢ Urk., I, Lf. "٢, ٤, ٩".; Mdaik ١٩٦٥, L F.

<<  <   >  >>