للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياة الدولة الوسطى فيما صورته مناظر مقابرها وتحدثت عنه نقوشها فحسب، وإنما غدا في وسعهم كذلك أن يطرقوا الشوارع والأزقة التي مشى فيها أهلها ويريحوا فيها حيث كانوا يريحون.

شيدت هذه البلدة وفقًا لتخطيط مرسوم، وخصصت مساكنها للمهندسين والفنانين والمعماريين والمشرفين الإداريين ورؤساء العمال والصناع الذين اشتركوا في بناء هرم سنوسرت الثاني وملحقاته، كما قامت فيها استراحة ملكية كان الفرعون يسكنها كلما تردد على منطقة هرمه. وأحاطت بالبلدة أسوار سميكة من اللبن ذات بوابتين. وانقسمت في داخلها إلى حيين متمايزين: حي لمساكن الخاصة، وحي آخر صغير لبيوت العمال والصناع. وقامت مساكن الحي الكبير على مثال الدوارات الريفية الواسعة، بحيث قيل إنه بلغت مساحة الواحدة منها نحو ٢٧٠٠ متر "؟ " وتضمن البعض منها في جنباته نحو سبعين حجرة وصالة ودهليزًا ومخزنًا، وتميز في كل منها جناح لرب الدر وضيوفه، وجناح للحريم وغرف النوم. وابتعدت عن الجناحين حجرات الخدم والمطابخ والمخازن. وتوزعت مساكن الخاصة هذه على جانبي شارع رئيسي متسع اخترقت أرضيته في وسطها قناة ضيقة، كسيت جوانبها بالحجر ومالت إليها أرضية جانبي الشارع حتى يسهل أن تنصرف إليها مياه البيوت ومياه المطر. وتفرعت من هذا الشارع الرئيسي طرقات ضيقة توسطت أرضياتها قنوات مماثلة. ويعتبر مثل هذا الإجراء شيئًا مبتكرًا بالنسبة لعصره البعيد. أما حي العمال فتضمن بيوتًا ضيقة متواضعة متلاصقة، واخترقه شارع رئيسي بلغ عصره ما بين ثمانية وتسعة أمتار، وتفرعت منه على جانبية إحدى عشرة حارة بلغ عرض كل منها نحو أربعة أمتار١.

وعثر داخل بيوت اللاهون على كثير من بقايا أدوات الاستعمال اليومي، مثل الصناديق والمقاعد والحصير والصنادل والمغازل، ولعب الأطفال، فضلًا عن أدوات البناء وأدوات النجارة. غير أن أهم ما عثر عليه فيها هو مجموعة برديات كتبت بالخط الهيراطي وتضمنت موضوعات إدارية وتعليمية وطبية٢. وتعلقت البردايات الإدارية منها بتعداد للسكان كان رب كل أسرة يذهب خلاله إلى مكتب حكومي يتبع ديوان الوزير في منطقته، فيدلي لموظفيه ببيان عن أفراد أسرته وأتباعه وأعمار أطفاله، ثم يقسم على صدق بياناته، ويستشهد على صحتها وصحة تسجيلها بعدد من الشهود. وينم هذه الإجراء عن رقي النظم الإدارية في أيامه والحرص على التدقيق في صحة بياناتها، وكان يمكن أن يعين على تصور أعداد سكان مصر في عصره لولا أن ما وجد من بردياته لا يزيد عن قصاصات صغيرة تخص بلدة اللاهون وحدها. وتضمنت البرديات ذات الصبغة الطبية جزءًا من بردية طبية لأمراض النساء، وجزءًا من بردية بيطرية لعلاج عيون وأسنان العجول والكلاب، وفي هذه وتلك ما يعني وضوح التخصص في العلاج، إن لم يكن في مهنة الطب نفسها، كما يعني روحًا رقيقة حانية دفعت أصحابها إلى العناية بحيواناتهم الأليفة وعلاجها. وتضمنت قصاصات اللاهون التعليمية تمارين لتعليم الإنشاء وصيغ الرسائل كان التلاميذ ينسخون دروسها وينسجون على منوالها،


١ W.M.F. Petrie, Illahun, Kaham And Gwrob.., London, ١٨٩١, And See A. Erman, H. Ranke, Aegypten..., ١٩٧.
٢ See. F. Ll Griffith, Hieratic Papyri From Kahum, London, ١٨٩٨.

<<  <   >  >>