المناسب ليحفظ لرسوله ماء وجهه، أو هكذا أراد ونآمون أن يصور الحادثة، إذ ما لبث أن هرع إليه رئيس الميناء يطلب إليه باسم الأمير أن يتريث حتى الصباح، فعاتبه بقوله ألست أنت الذي لم تفتأ كل يوم تقول دع مينائي؟ ألا تقصد أن تضيع السفينة التي تخيرتها للرحيل ثم تأتي من بعد فتطردني؟ فلم يجد الأمير إلا أن يأمر ربان السفينة مباشرة بأن يتوقف إلى الغد، ثم استدعى ونآمون في الصباح، فترك هذا إلهه في خبائه على شاطئ البحر، ورأى الأمير في هيئة رسمها بقصته فإذا هو يجلس في شرفة عالية وقد أدار ظهره إلى نافذته بحيث تتلاطم أمواج البحر من خلفه. وحياه ونآمون بتحية مصرية قائلًا:"فليغفر آمون". واستهل الأمير حديثه بأن سأله عن الفترة التي قضاها منذ أن خرج من أرض آمون، فإذا هي خمسة شهور، ثم قال له وهو يحاوره ليضعف من موقفه: والآن إذا صح هذا فأين تفويض آمون، المفروض أن تحمله، وأين رسالة كبير كهنة آمون المفروض أن تكون في يدك؟ فأجابه بأنه ترك رسائله لدى نس بانب جدة وتانت آمون - فامتعض الأمير وقال له: ما من تفويض ولا رسالة معك، فأين سفينة "نقل" الأرز التي خصصها لك نس بانب جدة إذن؟ وأين بحارتها السوريون؟ ألا يكون "قد خدعك" ووضعك في سفينة أجنبية كي يقتلك ولكي يلقوا بك في البحر؟ فمن كان ينقذك ومن كان يجد الرب؟
وأبى ونآمون أن يقبل التعريض به وبكرامة ربه بلده فقال: الواقع أنها سفينة مصرية، بل هو أسطول مصري تحت طاعة نس بانب جدة، وليس لديه بحارة سوريون.
فجادله الأمير قائلًا: والواقع كذلك أنه ترسو هنا في مينائي عشرون سفينة تتعامل مع نس بانب جدة "بما يعني أن نس بانب جدة كان يستطيع أن يرسله على إحداها"، كما أن في صيدا الميناء الأخرى التي مررت بها خمسين سفينة تتعامل مع وركاترا "وهو أمير غير معروف، وإن كان ساميًّا أمكن اعتبار اسمه تحريفًا لاسم وركة إيل - ولو أن الباحث ألبريت يعتبره من أمراء الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى".
وأسقط في يد ونآمون فلزم الصمت حتى قال له الأمير: وأي مهمة هذه التي أتيت من أجلها؟ فقال له: من أجل أخشاب مركب آمون رع الفخيمة العظيمة، أتيت، وما فعله أبوك وأبو أبيك سوف تفعله. وأضاف ونآمون في روايته: هكذا قلت له، كأنه يعتز بجرأته في مواجهته.
ولكن الأمير ظل على صلفه قائلًا: حقًّا لقد وفروها، فإذا دفعت "الثمن" وفرتها أنا أيضًا. فهم قد فعلوا ذلك من بعد أن أرسل الفرعون "ذات مرة" ست سفن محملة بمنتجات مصرية ضمت إلى مخازنهم، فما الذي أتيت به أنت إلي؟ واستحضر الأمير سجلًّا لأسلافه، وأمر بأن يقرأ أمام ونآمون، فتأكد أنه تضمن ذكر ألف دين فضة وبضائع من كل نوع.
واسترسل الأمير قائلًا: أما عن حاكم مصر فحتى إن كان سيد ما أملك وكنت أنا كذلك خادمه - فإنه ليس بمجرد القول أن نفذ مهمة آمون، وإنما اعتاد أن يرسل فضة وذهبًا، وكانت الهدايا الملكية تصل إلى أبي. أما عن نفسي، فلست خادمك ولا خادم من أرسلك.
ويلحظ هنا أن الأمير لم يذكر حاكم مصر بلقب الفرعون أو الملك، وأخذ من ثم يعرض بونآمون وبمن أرسله على اعتبار أنه ليس مرسلًا من قبل ملك مصر الشرعي.