للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحالفه١، وترتب على مساعدتها له أن صمدت عاصمته ثلاث سنوات أمام حصار الآشوريين لها خلال عهد شلما نصر الخامس، وإن كانت هذه العاصمة ما لبثت حتى انهارت بعد أن تغيرت مقادير آشور بولاية ملكها العظيم سرجون الثاني، ففتحها في العام الأول من حكمه "عام ٧٢١ق. م" وقضى على استقلالها وشرد آلافًا من أهلها٢.

وأعقب تاف نخت ولده باكن رنف "واح كارع" على ما امتد سلطانه إليه من الدلتا ومصر الوسطى، وقد اشتهر في الروايات الإغريقية باسم بوخوريس٣. وسنح له مجالان لإثبات كيانه في مجال المنافسة مع حكام عصره. ففى الخارج واصلت مصر في عهده سياسة أبيه بتأييد مدن فلسطين في المحافظة على استقلالها، فأيدت هانو حاكم غزة الذي كان قد لجأ إليها قبل سنوات وساعدته على تكوين حلف يواجه به التوسع الآشوري وعهدت بمعاونته إلى قائدها في رفح، وهو شخص لم تذكره المصادر المصرية وذكرته المصادر الآشورية وقصص التوراة باسم سيبئه "راجع ذكره فيما بعد"، ولكن مصر فاتها حينذاك أن تقدر إمكانيات سرجون الآشوري إبان عنفوانه، فانهزم حاكم غزة برغم تأييدها له بوحي هذه التجربة أيقن باكن رنف أن التيارات الخارجية لن تجري لصالحه، وأن عليه أن يبدأ بتدعيم جبهته الداخلية، وإن ظلت حدود بلده، على الرغم من وهنها، ملجأ للائذين بها من ولاة الشام، فلجأ إليها في أواخر عهده حاكم أشدود فرارًا من الآشوريين.

وليس من نصوص مصرية كافية تصور جهود باكن رنف الداخلية صراحة، ولكن الروايات الشعبية احتفظت له ولأبيه بذكريات طيبة، ربما لحرصهما على اجتذاب الأنصار وإرضاء الناس في عهد احتدم التنافس فيه بينهما وبين أضرابهما من الحكام المتمصرين الإقطاعيين من ناحية، وبينهما بين بيعنخي ودعاياته الذكية من ناحية أخرى. ويفهم مما سجله المؤرخون الكلاسيكيون عن هذه الروايات أنها اعتبرتهما من أعدل الملوك وأكثرهم استنارة. ولا بأس من الاستشهاد ببعض ما رواه ديودور الصقلي عن هذين الملكين كنموذج لما بقي لهما من سمعة عريضة وما رتبه لهما من أهمية كبيرة بعد وفاتهما بنحو ثمانين قرن دون التزام بطبيعة الحال بحرفية روايته. فقد نعت تاف نخت الذي ذكره باسم تنافاخثوس Tnaphachtos بالحكيم "فقرة ٤٥"، وروى أنه زهد في الملك وحياة الترف بعد حملة خرج فيها إلى بلاد العرب وتعرض خلالها لخطر الجوع مع نفاذ مؤن الجيش وإملاق البيئة، واضطر من ثم إلى أن يشارك عامة جنوده حياتهم المتواضعة فأنس إلى صحبتهم واطمأن بهم، واعتراه السهد والقلق مما كانوا يعانونه من شظف العيش، فضاق بالتقاليد التي سمحت للملوك برغد العيش دون غيرهم ولعن من بدأها وأمر بنقش لعنته للبادئ بها على معبد آمون في طيبة، واعتبر ذلك من عوامل إغفال شهرة مني أول الملوك المصريين وإغفال مجده على مر العصور على حد قوله.


١ الملوك الثاني: ١٧: ١ - ٦.
٢ Lnckenbill, Ancient Records, Ii, ٤. Anet, ٢٨٤.
٣ Breasted, Ancient Records, Iv, ٨٨٤; A. Moret, De Bocchori Rege, ١٩٠٣; M. Revillout, “Bocchoris Et Son Code”, Rev. Eg., ١٩٠٧, ١٢٤-١٤١.; Posener, Ibid., ١٩٦٩, ١٤٨-١٥٠.

<<  <   >  >>