وحظي باكن رنف "أو بوخوريس" بشهرة أعرض من سمعة أبيه في حياته الخاصة وأثره العام. فروى ديودور أنه كان زري الهيئة جدًّا، وكان أضعف الناس بنية، وأجشع الملوك قاطبة نفسًا "فقرة ٦٥، وفقرة ٩٤"، ولكنه وصفه مع ذلك بأنه رابع المشرعين المصريين، وأنه فاق كل من سبقوه من الملوك في حكمته وكان عاقلًا امتاز بدهائه، فنظم جميع شئون الملك وشرع بالتفصيل أصول المعاملات الخاصة، وكان حكيمًا في قضائه إلى حد أن كثيرًا من أحكامه ما زال لفرط سداده مأثورًا إلى أيامه. وكأن لسان حال ديودور أو معاصريه ود أن يصوره بمثل ما قيل عن سقراط العظيم من أن دمامة خلقته ورث ثيابه وغرابة أطواره كلها لم تحل دون أن تكون له نفس أكثر صفاء من النور وعقلية فذة وحكمة بالغة.
وروى ديودور من قوانين بوخوريس ما يقرب إلى مبدإ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وهو مبدأ أيدته الوثائق الديموطية فيما بعد، وفسره ديودور بأن من اتهم بأنه اقترض مالًا دون صك وأنكار الاستدانة يُعفي من أداء القرض إذا حلف اليمين على بطلانه. وكأن المشرع قد آثر أن يبدأ بافتراض الثقة في الناس وفي إيمانهم، فهم فضلاء حتى يثبت العكس، وأراد أن يستشعروا قيمة الإيمان ومخافة الإله، وأن يقدروا أن من حنث في إيمانه فقد ثقة الناس به، وأن يخشوا هذه العاقبة بتجنب الأيمان الكاذبة. ولعل المشرع حين أغفل الاعتداد بالدائن المدعي دون صك قد عني المرابين أكثر من غيرهم. فقد قضى أيضًا أنهم حتى إذا أقرضوا الناس أموالًا بصكوك فليس من حقهم أن يزيدوا أصل القرض إلى أكثر من مثله، مما يعني أنهم كانوا يسرفون قبل عهده في فرض الربح المركب ويزيدون به أصل الدين أضعاف مضاعفة. ويبدو أن الربح المركب كان دخيلًا على الحياة المصرية، نقلته إليها الجماعات الغربية التي هاجرت إلى مصر وتكاثرت أعدادها فيها خلال العصور المتأخرة.
وسجل ديودور بالتقدير أن بوخوريس قضى بأن يكون استيفاء القرض من ممتلكات المدين وحدها وليس من شخصه، ولم يجز قط أن يكون شخص المدين في أي ظرف من الظروف رهينة للدين. وقدم ديودور لذلك تعليلًا طريفًا، وهو أن الأرض ملك للذين يعملون عليها واكتسبوها بجدهم أو وهبت فلهم من الغير، أما المواطنون فهم ملك الدولة تستأديهم مالها عليهم من واجبات في الحرب والسلم، ومن الخطإ البين أن يقبض على المدين وفاء لدينه وهو يواجه الأخطار دفاعًا عن بلاده فيكون من أثر ذلك أن تتعرض سلامة الجميع للخطر من جراء جشع بعض الناس. ولم يستبعد ديودور أن يكون سولون قد نقل هذا التشريع إلى أثينا فيما سماه تخفيف الالتزامات أو التخلص من الحمول وحرم بمقتضاه استرقاق المدين، بل وألغى الديون التي كان ضمانها شخص المدين "أو أنقصها".
ولا جدال في براعة التعليل الذي ساقه ديودور، ولا شك كذلك في أن القول بأن سولون المشرع الأثبني العظيم قد اقتبس بعض تشريعه من مصر يعتبر مفخرة لمصر والمصريين، لولا أن تعليل ديودور لحكمة المشرع المصري فيما أصدره هو أقرب إلى روح الفكر الإغريقي أو الكلاسيكي منه إلى طابع التفكير الشرقي في القرن الثامن ق. م. وعلى أية حال فثمة تعقيب آخر وهو أن استرقاق المدين الذي حرمه باكن رنف كان دخيلًا على الحياة المصرية إما عن طريق الجاليات الأجنبية أو تحت قسوة الحياة في عهود الاضطرابات.