للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٧١ق. م وهناك واجهته مشكلة قلة الماء مع كثافة جيشه، وساعده عليها جماعة من بدو الصحراء حملوا لجيشه قرب الماء فوق الجمال وعملوا أدلاء له عبر سيناء، وبالغت نصوصه في وصف مشقة الطريق الصحراوي وصخوره المدببة وأفاعيه القرناء "وحيواناته" الخضراء المجنحة، كي تشيد بجهوده في تخطي صعابها. وعبرت عن شدة مقاومة المصريين بتعبيرها الخاص، فقالت على لسان ملكها: "قطعت ما بين مدينة أشخوبري "عند مدخل وادي الطميلات" وبين عاصمته منف في خمسة عشر يومًا، وكنت أقاتل دون انقطاع في معارك دموية ضد تاهرقه ملك مصر والنوبة الذي لعنه كل الأرباب الكبار، وأصبته خمس مرات بسهامي فأدميته بجراح لن يشفى منها"١. ونجحت الجيوش الآشورية للأسف في إسقاط العاصمة منف ودمرتها وأحرقتها وسيطرت على مناطق الدلتا، وأضعفت مقاومة مناطق الصعيد. وفتت آشور أخادين سلطة الحكم في مصر فوزعها على الأمراء الإقليميين واعتبرهم عمالًا له بعد أن استبعد منهم من خشي طموحه كما استبعد منهم ذوي الأصل النوبي، وظن أن الأمور استتبت له، وبلغ من ثقته بنصره أن أمر بتغيير أسماء مدن كثيرة إلى أسماء آشوري نسبها إلى أربابه: آشور، وسين، ومردوك، وإشتار٢. وصور رجاله تاهرقه ملك مصر جاثيًا أمامه مخزومًا من أنفه بحبل يرجو عفوه، على نصب أقاموها في أنحاء دولته٣، مع أن تاهرقه لم يقع في قبضته إطلاقًا ولم يهادنه. ولم يكتف آشور أخادن بما غنمه من كنوز القصر الملكي المصري "مما لا مثيل له في آشور ومما أبدعت صناعته" على حد قوله، وإنما طمع في أن يجعل مهارة المصريين طوع يمينه في آشور نفسها، فأمر بترحيل جماعات من الأطباء والبيطريين والسحرة والصاغة والكتبة والموسيقيين بل ومن صانعي النعال وصانعي الجعة والخبازين ومن لف لفهم إلى عاصمته٤. وكأنما وجد في مهارتهم كنزًا لا تقل قيمته عن كنوز القصر الملكي، أو رأى في إبعادهم عن مصر حرمانًا لها من أدوات حضارتها التي دلت بها على عالمها القديم.

كانت هذه هي المرة الثانية التي نجح فيها جيش كبير في غزو مصر عن طريق مدخلها الشمالي الشرقي "إذا اعتبرنا محنة الهكسوس القديمة غزوة وليست هجرة". وكانت هي المرة الأولى التي حكمت مصر فيها من خارج حدودها، بعد أن سلخت من تاريخها المكتوب نحو خمسة وعشرين قرنًا. وقد استمر كفاح مصر للغزو الآشوري خلال عهود أربعة ملوك آشوريين، اثنين كافحتهما على حدودها، واثنين كافحتهما على أرضها. ولقسوة الوضع ثار المصريون على الحكم الآشوري سريعًا وعاونوا تاهرقه على استرجاع سلطته على العاصمة خلال عام ٦٦٩ق. م، فعزل بدوره من رضوا بولاية آشور أخادين، وحين ذاك جن جنون الملك الآشوري وكانت مشكلات وراثة عرشه قد احتجزته عامًا في آشور عقب عودته من مصر، وأعدم في هذا العام كثيرين من موظفيه٥، ثم سارع بالخروج بجيشه ولكنه مرض ولقي نحبه في الطريق، فعاد جيشه أدراجه


١ D. Luckenbill, Op. Cit., Ii, ٥٨٠; A Net, ٢٣٩; E Peet, Jea, Xi,١ ٩٢٥, Ii٧ F.; E. Meyer, Geschichte Des Altertums, Iii, ٧٦ F.,
٢ Luckenbill, Ii, ٨٩٢; Anet, ٢٩٣-٢٩٤.
٣ E.H. Weissbach, Die Denkmaeler Und Inschriften Des Nahr El-Kelb, ١٩٢٢, Pls. Xi-Xii; R. Mouterde, Le Nahr El-Kelb, ١٩٣٢, Pl. Vi; Olmstead, Hitory, Of Assyria, ٣٨٤.
٤ D. Luckenbill, Op. Cit., Ii, ٥٨٥; Anet, ٢٩٣,
٥ Luckenbill, Op. Cit., ٣٠٢, ٣٠٣.

<<  <   >  >>