للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعينهم، وإن لم تمنع أمثال هذه المعاملة آشور ناصر بال من أن يشيد بفضل أربابه في تأييده، ويكرر اهتمامه بتقديم القرابين إليهم وحرصه على تخصيص أخشاب أرز جبال أمانوس لإبهاء احتفالات معابدهم.

ولسنا مضطرين بطبيعة الحال إلى التسليم بحرفية هذين الضدين من المعلومات، ففي كل منهما مبالغة، مبالغة في تصوير القسوة لتكون عبرة، ومبالغة في تصوير التقوى للتغطية على الأخطاء. وما ينطبق من حكمنا هذا على نصوص آشور ناصر بال ينطبق على نصوص غيره من الملوك القدماء.

ويفهم من حوليات هذا الملك أن عملية توطين الآشوريين في المدن المفتوحة ليصبحوا سادتها والمنتفعين بخيراتها وليخمدوا نشاط زعمائها ويكونوا عيونًا عليهم لدولتهم، قد سبقت عهده؛ إذ تحدث أحد نصوصه عن أن جماعة منهم توطئوا في منطقة جبلية شمالية قد أخذهم الغرور وابتغوا أن يتسعوا لحسابهم في المناطق القريبة منهم فعاملهم بقسوة لا تقل عن معاملته لأعدائه الأجانب١. وترك أخيرًا ملكًا موطدًا وترك معه قصرًا عظيمًا في كالح "نمرود" التي اهتم بها اهتمام شلما نصر الأول من قبله ويبدو أنها كانت تعتبر مصيفًا ملكيًّا٢، ولا تزال بقايا قصره فيها من أروع المصادر لفن النقش في عهده مما سنعود فيما بعد إلى ذكره.

استفاد شلما نصر الثالث "شلمانواشاريدو" "٨٥٩ - ٨٢٤ق. م" من جهود أبيه آشور ناصر بال وحمية دولته، واستطاع أن يسود غرب آسيا من الخليج العربي حتى جبال أرمينيا، ومن الحدود الميدية حتى سواحل البحر المتوسط٣. ولم يكن أقل اعتزازًا بجبروته من أبيه، فوصفته نصوصه بأنه الأفعوان الكبير أوشوم جال٤ وكان لقب الأفعوان الكبير يوصف به الأرباب وتلقب به حمورابي ثم انتحله الملوك الآشوريون، ولعل فيه بعض الشبه بالصل الملكي المصري، وأنه طحن أعداءه جميعًا كما لو كانوا من صلصال. وأنه المقتدر الذي لا يعرف الرحمة في الحروب ... إلخ. وقد ساعدته الظروف فتدخل في مشكلات عرش بابل، ولم يكن ذلك بغير ثمن لصالحه وصالح دولته، فقد أصبحت له اليد العليا على صاحب عرشها بعد أن ناصره، وسمح له ذلك أن يتعداها بجيوشه إلى كلديا حتى الخليج العربي ويتلقى هدايا ملوكها "أو جزاهم على حد تعبير نصوصه" وقد روت قوله عنها: "هبطت إلى كلديا وقهرت مدنها وسرت حتى البحر الذي يسمونه البحر المالح "الخليج العربي"، وتلقيت في بابِل جزية أديني بن داكوري من الفضة والذهب وخشب أوشو العاج ... " وصور فنانوه جزية بيت داكوري هذه يحملها أهلها بين صفوف النخيل ويشرف عليها حراسه وكتبته. وسجلوا صورها على أبواب قصره المكسوة بصفائح البرونز في يلاوات٥.


١ ديلابورت: بلاد ما بين النهرين -ص٤١٨ - ٤١٩.
٢ See, Iraq, ١٩٥٠
٣ See Luckenbill,M A. R. ٤٧٥, ٥٧ F. Ernest Michel. "Die Assur-Texte. Salmanassars Iii. Die Welt Des Orients, ١٩٤٧, ٥٧ F.
٤ See, Anet, ٢٧٦
٥ L.W. King, Bronze Reliefs From The Gates Of Shalmaneser, London, ١٩١٥ Pl. ٦٤

<<  <   >  >>