للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروت نصوصه في اتجاهه بجيوشه ناحية الشمال، أنه اكتسح أرض"مات" خاتي كلها وجعلها تلالًا خربة كأنما اكتسحها فيضان. ولعلها أرادت بمات خاتي هذه أطراف العراق القريبة من آسيا الصغرى، أو المناطق التي انتشر بقايا الحيثيين القدماء فيها بعد أن شتتهم أعداؤهم حول قرقيش١، وكان أبوه قد ادعى قتالهم أيضًا. واعتز شلما نصر بزيارته منابع دجلة في الشمال، وقالت نصوصه على لسان: "وبلغت منبع دجلة بحيث ينبع الماء، وغمست سلاح آشور في مياهه ... ، وأقمت حفلًا سعيدًا، وأمرت "بنقش" نصب باسمي وصورتي". وصور الفنانون هذه الزيارة على أبواب قصره، وهي زيارة اعتبرها L.W.King لأحد روافد دجلة العليا المسمى بالكاليم سو٢. وعلى مقربة من هذه النواحي، ذكرت نصوصه حملة له على أورارتو "أورارتي"، وهو اسم أطلقه الآشوريون فيما يحتمل على المنطقة التي سماها أهلها بياينياس شمال آشور وفيما يتركز حول بحيرة فان الحالية وجبال أرارات شرق آسيا الصغرى، وكانت النصوص الآشورية قد بدأت ذكرها منذ عهد شلما نصر الأول في القرن الثالث عشر ق. م، ولكنها زادت في عهد سميه شلما نصر الثالث فذكرت ملكًا من ملوكها، ثم عادت بعد فترة فذكرت اسم سيدوري قائد أورارتو، وهو اسم ذكرته أقدم نقوش الأورارتيين أنفسهم بلفظ "ساردوري"، ويبدو أن شلما نصر قد أحرز بجيوشه نصرًا هناك مما خلع عليه شيئًا من القداسة وسمح لفنانه بأن ينقش ما يصور تقديم القربان لصورته على سفح جبل قريب من بحيرة فان٣.

وكانت لشلما نصر، أو لجيوشه بمعنى أصح، قصة طويلة مع سوريا، امتازت نصوصه عنها بتضمينها عدة أسماء لا تزال حية في أسماء مدتها ومواقعها مع تحريفات وتصحيفات يسيرة مثل أسماء: خالمان عن حلب، وأماة عن حماة، ودمشقي عن دمشق، وخاوراني عن حوران، وأرانتو عن نهر الأورنت "العاصي"، وخمري عن عمري، وقرقرة عن قرقر، وعمون ... وما إليها. غير أن الأهم من ذلك هو تضمينها اسم أريبو أو عريبو بمعنى العرب، وأعراب البادية بخاصة، لأول مرة في النصوص القديمة المعروفة، واسم جنديبو تحريفًا لاسم أمير عربي يدعى جندب أو جندبة، واسم أخابو تحريفًا للاسم العبري أخأب أو أحأب.

وتجرأ شلما نصر على مهاجمة دمشق، أكبر الإمارات الأرامية العربية، بعد أن أرهب هو وأبوه الإمارات الأرامية الأخرى التي توزعت بين الفرات وبين قلب الشام ولكن دمشق لم تكن صيدًا سهلًا على الرغم من طول منافساتها مع جيرانها من الأراميين والعبرانيين، فعزمت على الوقوف في وجه جبروت الآشوريين، وجمع أميرها أداد إدري "هداد عذيري؟ " الأحلاف حوله من أهل الشام ومن العرب أو الأعراب ومن العبرانيين الذين تناسى معهم ضغائنهم القديمة في سبيل مواجهة عداء الغزو الآشوري العنيف، وخف بهم إلى قرقر حيث ضم إليه أميرها وجيشه.


١ Cf D. Luckenbill, Ancient Recodrs, I, ٤٧٥; Ii, ٦١٦ F; Anet, ٢٧٥
٢ L. W. King, Op Cit, ١٣
٣ B. Pritchard, The Ancient Near East In Pictures, Fig. ١٥٥

<<  <   >  >>