للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها من بنات أفكارهم كائنات خرافية توهموها تغشى الفيافي الواسعة المحيطة بواديهم، وتخيلوها بحسوم الأسود والفهود وأعناق الزراف والثعابين وأجنحة العقبان، وتخيلوا منها كائنات مخيفة تروع حيوانات بيئاتهم، وكائنات أخرى حارسة أحاطوا بصورها إطارات الموضوعات التي نقشوها على صلاياتهم. وظلت أكثر الخطوط والصور شيوعًا في لوحاتهم هي تصوير حيوانين خرافيين حول بؤرة الصلاية يحيطانها بعنقيهما الطويلتين وتنعقد رأساهما فوقها، أو تصوير حيوانين حول إطاري الصلاية بحيث يطلان برأسيهما فوق حافتيها وكأنهما يحميان مناظرها١.

وكان من الطبيعي أن يساير رقي النقاديين النسبي في الصناعة والفن رقي آخر نسبي في بناء مساكنهم وحفر مقابرهم، وفي وسائل التسلية في مجتمعهم. فقد عثر في قبر بالمحاسنة على نموذج صغير من الصلصال الجاف لمسكن مستطيل الشكل مبني من اللبن٢، يذهب الرأي إلى أن بعديه الحقيقيين كانا ٨ أمتار طولًا ٥.٧٠ من الأمتار عرضًا. وكانت واجهته مائلة الجوانب يزداد اتساعها في أسفلها عن اتساعها في أعلاها لمساعدة رصات اللبن على الثبات وتخفيف الضغط العلوي عليها. وتوسطها مدخل ضيق صنع قائماه الجانبيان وعتبه العلوي من الخشب وظهرت له شراعة علوية لإدخال الضوء، ثبتت تحتها طيلة أسطوانية من الخشب كان أصحاب المسكن يلفون عليها حصيرًا يجذبونه إلى أسفل ليستر المدخل وليقوم فيه مقام الباب. وتوسطت الجزء العلوي من الواجهة الخلفية للمسكن نافذتان ضيقتان دعمت كل منهما بعارضة سفلية وعارضة علوية من الخشب. وكان داخل المسكن عبارة عن فناء وبضع حجرات جانبية، وربما قامت في حجراته أعمدة خشبية متواضعة للمساعدة في حمل السقوف المسطحة. وكان تشييد المساكن من قوالب اللبن المنتظمة الشكل مرحلة تقدمية في فن البناء، وظلت هي المادة المفضلة للمساكن العادية خلال العصور التاريخية، لرخص تكاليفها وتوافر موادها الأولية وصلاحيتها للبيئة الحارة.

واستمرت المساكن المسدية من البوص وفروع الأشجار تخدم أغراضها إلى جانب البيوت من اللبن ولكنها لم تقتصر على أشكالها المتواضعة القديمة وإنما ظهرت معها مساكن مربعة المساحة مرتفعة مسطحة السقوف صورت نقوش مقبض سكين فاخرة واحدًا منها، فظهر بثلاث مداخل، وتداخلت في تكوين واجهته ألياف البردي مع سيقان الغاب طولًا وعرضًا على هيئة نسيج الحصير، وبرزت الأطراف العليا لسيقان الغاب عمودية فوق الواجهة بشكل لطيف٣.

ونسب فلندرز بترى إلى أهل نقادة صورًا طريفة من الرقي الفكري قد لا يبرأ بعضها من الشك والنقد فهو يعتقد على سبيل المثال أن العلامات التي خطوها على أوانيهم الفخارية لترمز إلى أصحابها أو صانعيها،


١ Legge, Op. Cit., I, Iii.- وقد تظهر أربعة حيوانات على حافتي الجانبين بحيث يتدابر كل اثنين منها ويطلان على قمة الصلاية وقاعدتها " Be'ne'dite, Op. Cit., Pl. Xi."، أو بقيع حيوان فوق الصلاية كأنه يحميها " Capart, Les Debuts ... , F G. ١٥٧.
٢ عثر عليه في مقبرة يحتمل ردها إلى ما بين المرحلتين ٤٤, ٦٤ من التوقيت المتتابع، ولم يعثر فيها على عظام أصحابها.
El-Amrah, ٢٢, ٤٢, Pl. X, ١-٢.
٣ W.C. Hayes, The Scepter Of Egypt, New York, ١٩٥٣, Fig. ٢١.

<<  <   >  >>