للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهُوَ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ.

وَمِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، حَتَّى تَتَّفِقَ الْأُمَّةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا تَعَالَى إِلَّا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَشْهَرِ وَالْأَظْهَرِ مِنْ وُجُوهِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ، وَلَوْ سَاغَ ادِّعَاءُ الْمَجَازِ لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيْءٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَجَلَّ اللَّهُ أَنْ يُخَاطِبَ إِلَّا بِمَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ مِنْ مَعْهُودِ مُخَاطِبَاتِهَا مِمَّا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ، وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ مَفْهُومٌ، وَهُوَ: الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِقْرَارُ وَالتَّمَكُّنُ فِيهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] قَالَ: عَلَا، قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَوَيْتُ فَوْقَ الدَّابَّةِ وَاسْتَوَيْتُ فَوْقَ الْبَيْتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْتَوَى أَيِ اسْتَقَرَّ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: ١٤] أَيِ انْتَهَى شَبَابُهُ وَاسْتَقَرَّ فَلَمْ يَكُنْ فِي شَبَابِهِ مَزِيدٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالِاسْتِوَاءُ الِاسْتِقْرَارُ فِي الْعُلُوِّ وَبِهَذَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: ١٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: ٢٨] .

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَأَوْرَدْتَهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ ... وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى

<<  <   >  >>