للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَذَا النُّورُ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذْ هُوَ مُعْطِيهِ لِعَبْدِهِ وَوَاهِبُهُ إِيَّاهُ، وَيُضَافُ إِلَى الْعَبْدِ إِذْ هُوَ مَحَلُّهُ وَقَابِلُهُ، فَيُضَافُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ، وَلِهَذَا النُّورِ فَاعِلٌ وَقَابِلٌ، وَمَحَلٌّ وَحَامِلٌ، وَمَادَّةٌ، وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ ذِكْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ.

فَالْفَاعِلُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى مُفِيضُ الْأَنْوَارِ الْهَادِي لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَالْقَابِلُ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ، وَالْمَحَلُّ قَلْبُهُ، وَالْحَامِلُ: هِمَّتُهُ وَعَزِيمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ، وَالْمَادَّةُ: قَوْلُهُ وَعَمَلُهُ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ الْعَجِيبُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ فِيهِ مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْمَعَانِي وَإِظْهَارِ تَمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ بِمَا أَنَالَهُ مِنْ نُورِهِ مَا تَقَرَّ بِهِ عُيُونُ أَهْلِهِ وَتَبْتَهِجُ بِهِ قُلُوبُهُمْ.

وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ لِأَهْلِ الْمَعَانِي طَرِيقَتَانِ: أَحَدُهُمَا: طَرِيقَةُ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ أَقْرَبُ مَأْخَذًا وَأَسْلَمُ مِنَ التَّكَلُّفِ، وَهِيَ أَنْ تُشَبَّهَ الْجُمْلَةُ بِرُمَّتِهَا بِنُورِ الْمُؤْمِنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَفْصِيلِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُشَبَّهِ وَمُقَابَلَتِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.

فَتَأَمَّلْ صِفَةَ مِشْكَاةٍ، وَهِيَ كُوَّةٌ لَا تَنْفَذُ لِتَكُونَ أَجْمَعَ لِلضَّوْءِ قَدْ وُضِعَ فِيهَا مِصْبَاحٌ وَذَلِكَ الْمِصْبَاحُ دَاخِلَ زُجَاجَةٍ تُشْبِهُ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي صَفَائِهَا وَحُسْنِهَا، وَمَادَّتُهُ مِنْ أَصْفَى

<<  <   >  >>