للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَسَاكِرَ: إِذَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ مُسْتَصْوَبَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالِانْتِقَادِ يُوَافِقُهُ فِي أَكْثَرِ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَكَابِرُ الْعِبَادِ وَلَا يَقْدَحُ فِي مُعْتَقَدِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ فَلَابُدَّ أَنْ نَحْكِيَ عَنْهُ مُعْتَقَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْأَمَانَةِ وَنَجْتَنِبُ أَنْ نَزِيدَ فِيهِ أَوْ نُنْقِصَ مِنْهُ تَرْكًا لِلْخِيَانَةِ ; لِتُعْلَمَ حَقِيقَةُ حَالِهِ فِي صِحَّةِ عَقِيدَتِهِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ فَاسْمَعْ مَا ذَكَرَهُ فِي (أَوَّلِ) كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ (الْإِبَانَةُ) فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَحَدِ الْوَاحِدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِدِ الْمُتَفَرِّدِ بِالتَّوْحِيدِ الْمُتَمَجِّدِ بِالتَّمْجِيدِ الَّذِي لَا تَبْلُغُهُ صِفَاتُ الْعَبِيدِ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَدِيدٌ وَهُوَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَبْنَاءِ وَتَقَدَّسَ عَنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ، فَلَيْسَ لَهُ عِزَّةٌ تُنَالُ وَلَا حَدٌّ تُضْرَبُ فِيهِ الْأَمْثَالُ، لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ أَوَّلًا قَدِيرًا وَلَا يَزَالُ عَالِمًا خَبِيرًا، سَبَقَ الْأَشْيَاءَ عَلِمُهُ وَنَفَذَتْ فِيهَا إِرَادَتُهُ فَلَمْ تَعْزُبْ عَنْهُ خِفْيَاتُ الْأُمُورِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ سَوَالِفُ صُرُوفِ الدُّهُورِ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي خَلْقِ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ كَلَالٌ وَلَا تَعَبٌ وَلَا مَسَّهُ لُغُوبٌ وَلَا نَصَبٌ، خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِقُدْرَتِهِ وَدَبَّرَهَا بِمَشِيئَتِهِ وَقَهَرَهَا بِجَبَرُوتِهِ وَذَلَّلَهَا بِعِزَّتِهِ فَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ الْمُتَكَبِّرُونَ وَاسْتَكَانَ لِعِظَمِ رُبُوبِيَّتِهِ الْمُتَعَظِّمُونَ، وَانْقَطَعَ دُونَ الرُّسُوخِ فِي عِلْمِهِ الْمُمْتَرُونَ، وَذَلَّتْ لَهُ الرِّقَابُ وَحَارَتْ فِي مَلَكُوتِهِ فِطَنُ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَقَامَتْ بِكَلِمَتِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرْضُ الْمِهَادُ وَثَبَتَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي وَجَرَتِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ وَسَارَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ السَّحَابُ وَقَامَتْ عَلَى حُدُودِهَا الْبِحَارُ وَهُوَ إِلَهٌ قَاهِرٌ يَخْضَعُ لَهُ الْمُعْتَزُّونَ وَيَخْشَعُ لَهُ الْمُتَرَفِّعُونَ وَتُطِيعُ طَوْعًا وَكَرْهًا لَهُ الْعَالِمُونَ، نَحْمَدُهُ كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ وَنَسْتَعِينُهُ اسْتِعَانَةَ مَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمَرَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ مُقِرٍّ بِذَنْبِهِ مُعْتَرِفٍ بِخَطِيئَتِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَإِخْلَاصًا لِرُبُوبِيَّتِهِ وَأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمَا تُبْطِنُهُ الضَّمَائِرُ وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ السَّرَائِرُ وَمَا تُخْفِيهِ النُّفُوسُ وَمَا تُخَزِّنُ الْبِحَارُ وَمَا

<<  <   >  >>