للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَنَّفَهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَهُوَ كِتَابٌ مُفِيدٌ ذَكَرَ فِيهِ أَقْسَامَ اللَّذَّاتِ وَبَيَّنَ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: الْحِسِّيَّةُ: كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ. وَاللَّذَّةُ الْخَيَالِيَّةُ الْوَهْمِيَّةُ: كَلَذَّةِ الرِّيَاسَةِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرَفُّعِ وَنَحْوِهَا. وَاللَّذَّةُ الْعَقْلِيَّةُ: كَلَذَّةِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ. وَتَكَلَّمَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا اللَّذَّةُ الْعَقْلِيَّةُ: فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَالتَّعَلُّقِ بِهَا فَلِهَذَا السَّبَبُ نَقُولُ: يَا لَيْتَنَا بَقِينَا عَلَى الْعَدَمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْتَنَا مَا شَهِدْنَا هَذَا الْعَالَمَ، وَلَيْتَ النَّفْسَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَذَا الْبَدَنِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قُلْتُ:

نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ

وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ

وَلَمْ نَسْتَفِدْ مَنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمُرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا

وَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَالٍ وَدَوْلَةٍ ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِينَ وَزَالُوا

وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتُهَا ... رِجَالٌ فَزَالُوا وَالْجِبَالُ جِبَالُ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَعْدَ التَّوَغُّلِ فِي هَذِهِ الْمَضَائِقِ وَالتَّعَمِيقِ فِي الِاسْتِكْشَافِ عَنْ أَسْرَارِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ رَأَيْتُ الْأَصْوَبَ الْأَصْلَحَ فِي هَذَا الْبَابِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَالْفَرْقَانِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ تَرْكُ التَّعَمُّقِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَقْسَامِ أَجْسَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ عَلَى وُجُودِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي التَّفَاصِيلِ فَاقْرَأْ فِي التَّنْزِيهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:

{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: ٣٨] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، وَاقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ قَوْلَهُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: ٧٨] ، وَفِي تَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي قَوْلَهُ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النساء: ٧٩]

<<  <   >  >>