للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْجِهَةِ يُوجِبُ إِثْبَاتَ الْمَكَانِ، وَإِثْبَاتَ الْمَكَانِ يُوجِبُ إِثْبَاتَ الْجِسْمِيَّةِ. قَالَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْجِهَةَ غَيْرُ الْمَكَانِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجِهَةَ هِيَ إِمَّا سَطْحُ نَفْسِ الْجِسْمِ الْمُحِيطِ بِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ، وَبِهَذَا نَقُولُ أَنَّ لِلْحَيَوَانِ فَوْقًا وَسَفْلًا وَيَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا، وَإِمَّا سُطُوحُ جِسْمٍ آخَرَ مُحِيطٌ بِالْجِسْمِ مِنَ الْجِهَاتِ السِّتِّ، فَأَمَّا الْجِهَاتُ الَّتِي هِيَ سُطُوحُ الْجِسْمِ نَفْسِهِ فَلَيْسَتْ بِمَكَانٍ لِلْجِسْمِ أَصْلًا وَأَمَّا سُطُوحُ الْجِسْمِ الْمُحِيطِ بِهِ فَهِيَ لَهُ مَكَانٌ مِثْلُ سُطُوحِ الْهَوَى الْمُحِيطِ بِالْإِنْسَانِ، وَسُطُوحِ الْفَلَكِ الْمُحِيطَةِ بِسُطُوحِ الْهَوَى هِيَ أَيْضًا مَكَانُ الْهَوَى، وَهَذِهِ الْأَفْلَاكُ بَعْضُهَا مُحِيطٌ بِبَعْضٍ وَمَكَانٌ لَهُ وَأَمَّا سَطْحُ الْفَلَكِ الْخَارِجُ فَقَدْ بُرْهِنَ أَنَّهُ لَيْسَ خَارِجَهُ جِسْمٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ فَلَكِ الْجِسْمِ أَيْضًا جِسْمٌ آخَرُ، وَيَمُرُّ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، فَإِذًا سَطْحُ آخِرِ أَجْسَامِ الْعَالَمِ لَيْسَ مَكَانًا أَصْلًا إِذْ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ جِسْمٌ، فَإِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى وُجُودِ مَوْجُودٍ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جِسْمٍ، فَالَّذِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ هُنَاكَ هُوَ عَكْسُ مَا ظَنَّهُ الْقَوْمُ وَهُوَ مَوْجُودٌ، هُوَ جِسْمٌ لَا مَوْجُودٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا أَنَّ خَارِجَ الْعَالِمِ خَلَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَلَاءَ قَدْ تَبَيَّنَ فِي الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ امْتِنَاعُهُ لِأَنَّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَلَاءِ لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ أَكْثَرَ مِنْ أَبْعَادٍ لَيْسَ فِيهَا جِسْمٌ أَعْنِي طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ رُفِعَتِ الْأَبْعَادُ عَنْهُ عَادَ عَدَمًا وَإِنْ أُنْزِلَ الْخَلَاءَ مَوْجُودٌ

<<  <   >  >>