أَكْرِمُوا الْبَقَرَ فَإِنَّهَا لَمْ تَرْفَعْ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ مُنْذُ عُبِدَ الْعِجْلُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَكْرِمُوا الْبَقَرَ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ الْبَهَائِمِ، مَا رَفَعَتْ طَرْفَهَا إِلَى السَّمَاءِ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُنْذُ عُبِدَ الْعِجْلُ» ، قُلْتُ: وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ فَإِنَّ أَبَا هِنْدٍ مَجْهُولٌ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ، حَتَّى أَبْلَدِ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِي نَضْرِبُ بِبَلَادَتِهِ الْمَثَلَ وَهُوَ الْبَقَرُ.
فَصْلٌ: وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: كَيْفَ يُحْتَجُّ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَقْوَالِ مَنْ حَكَيْتُ قَوْلَهُ مِمَّنْ لَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً فَأَجْلَبْتَ. . . بِهَا، ثُمَّ لَمْ تَقْنَعْ بِذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْتَ أَقْوَالَ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَكْفِكَ ذَلِكَ حَتَّى جِئْتَ (بِأَقْوَالِ) الْجِنِّ ثُمَّ لَمْ تَقْتَصِرْ حَتَّى اسْتَشْهَدْتَ بِالنَّمْلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، فَأَيْنَ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؟ وَجَوَابُ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ نَقُولَ: قَدْ عُلِمَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَكُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِذْ غَايَةُ أَقْوَالِهِمْ عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ ظَوَاهِرُ سَمْعِيَّةٌ وَأَدِلَّةٌ لَفْظِيَّةٌ مَعْزُولَةً عَنِ الْيَقِينِ، مُتَوَاتِرُهَا يُدْفَعُ بِالتَّأْوِيلِ وَآحَادُهَا يُقَابَلُ بِالتَّكْذِيبِ فَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِمَا حَكَيْنَاهُ وَإِنَّمَا كَتَبْنَاهُ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنْ يُعْلَمَ بَعْضُ مَا فِي الْوُجُودِ وَيَعْلَمَ الْحَالَ مَنْ هُوَ بِهَا جَاهِلٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute