كُلُّ أُمَّةٍ مَعَ مَعْبُودِهَا فَانْطَلَقَ بِهَا وَاتَّبَعَتْهُ إِلَى النَّارِ، وَانْطَلَقَ الْمَعْبُودُ الْحَقُّ وَاتَّبَعَهُ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَابِدُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي قَرَّتْ عُيُونُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفَارَقُوا النَّاسَ فِيهِ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَثَلَ الْأَوَّلَ مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ الظُّلْمَةِ الَّتِي هِيَ الضَّلَالُ وَالْحَيْرَةُ الَّتِي ضِدُّهَا الْهُدَى، وَالْمَثَلَ الثَّانِي: مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ الْخَوْفِ الَّذِي ضِدُّهُ الْأَمْنُ، فَلَا هُدَى وَلَا أَمْنَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: مَثَلُ هَؤُلَاءِ فِي نِفَاقِهِمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَاسْتَدْفَأَ وَرَأَى مَا حَوْلَهُ فَاتَّقَى مِمَّا يَخَافُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ طُفِئَتْ نَارُهُ فَبَقِيَ فِي ظُلْمَةٍ خَائِفًا مُتَحَيِّرًا كَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ الْإِيمَانِ أَمِنُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَنَاكَحُوا الْمُؤْمِنِينَ وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْغَنَائِمَ، فَذَلِكَ نُورُهُمْ فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ وَالْخَوْفِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: (إِضَاءَةُ النَّارِ لَهُمْ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْهُدَى، وَذَهَابُ نُورِهِمْ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَالضَّلَالَةِ) وَقَدْ فُسِّرَتْ تِلْكَ الْإِضَاءَةُ وَذَهَابُ النُّورِ بِأَنَّهَا فِي الدُّنْيَا وَفُسِّرَتْ بِالْبَرْزَخِ، وَفُسِّرَتْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُمْ فِي الدُّورِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا جُوزُوا فِي الْبَرْزَخِ وَفِي الْقِيَامَةِ بِمِثْلِ حَالِهِمْ {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: ٢٦] ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦] فَإِنَّ الْمَعَادَ يَعُودُ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ مَا كَانَ حَاصِلًا لَهُ فِي الدُّنْيَا وَلِهَذَا يُسَمَّى يَوْمَ الْجَزَاءِ: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء: ٧٢] ، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى. .} [مريم: ٧٦] الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute