{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} [الشورى: ٥٢] الْآيَةَ، أَيْ: جَعَلْنَا ذَلِكَ الرُّوحَ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا، فَسَمَّى وَحْيَهُ رُوحًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ وَمَنْ عَدِمَهَا فَهُوَ مَيْتٌ لَا حَيٌّ وَالْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ السَّرْمَدِيَّةُ فِي دَارِ النَّعِيمِ هِيَ ثَمَرَةُ حَيَاةِ الْقَلْبِ بِهَذَا الرُّوحِ الَّذِي أَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ لَمْ يَحْيَا بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مِمَّنْ لَهُ جَهَنَّمُ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا وَأَعْظَمُ النَّاسِ حَيَاةً فِي الدُّورِ الثَّلَاثِ، دَارِ الدُّنْيَا، وَدَارِ الْبَرْزَخِ، وَدَارِ الْجَزَاءِ، أَعْظَمُهُمْ نَصِيبًا مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ بِهَذِهِ الرُّوحِ.
وَسَمَّاهُ رُوحًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر: ١٥] وَقَالَ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: ٢] .
وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ اسْتِنَارَةِ الْقُلُوبِ وَإِضَاءَتِهَا وَكَمَالِ الرُّوحِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: بِالْحَيَاةِ وَالنُّورِ. وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَالِاهْتِدَاءِ بِمَا بُعِثُوا بِهِ وَتَلَقِّي الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ مِشْكَاتِهِمْ وَإِلَّا فَالرُّوحُ مَيْتَةٌ مُظْلِمَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشَارًا إِلَيْهِ بِالزُّهْدِ وَالْفِقْهِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْكَلَامِ وَالْبُحُوثِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ وَالِاسْتِنَارَةَ بِالرُّوحِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ نُورًا يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَيْسَ الْعِلْمُ كَثْرَةَ النَّقْلِ وَالْبَحْثِ وَالْكَلَامِ، وَلَكِنْ نُورٌ يَمِيزُ بِهِ صَحِيحَ الْأَقْوَالِ مِنْ سَقِيمِهَا، وَحَقِّهَا مِنْ بَاطِلِهَا، وَمَا هُوَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ مِمَّا هُوَ مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ وَيَمِيزُ النَّقْدَ الَّذِي عَلَيْهِ سِكَّةُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثَمَنًا لِجَنَّتِهِ سِوَاهُ مِنَ النَّقْدِ الَّذِي عَلَيْهِ " سِكَّةُ " جَنْكِيزْخَانْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute