للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز وجل، وعلى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا سبب اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار.

فإن قال قائل: فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان رضي الله عنه: أن المصاحف لما نسخت عرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها، إذ ظاهره يدل على خطأ في الرسم.

قلت: هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل من جهتين: إحداهما: أنه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه - مرسل؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ولا رأياه، وأيضا فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه؛ لما فيه من الطعن عليه مع محله من الدين ومكانه من الإسلام وشدة اجتهاده في بذل النصيحة واهتمامه بما فيه الصلاح للأمة، فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار الأتقياء الأبرار نظرا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده، هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله، ولا يحل لأحد أن يعتقده.

فإن قال: فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان رضي الله عنه؟ قلت: وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم إذ كان كثير منه لو تلي على حال رسمه لانقلب ذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظها ألا ترى قوله: (أولأ اذبحنه) و (لا أوضعوا) و (من نباءى المرسلين) و (سأوريكم) و (الربوا) وشبهه مما زيدت الألف

<<  <  ج: ص:  >  >>