وَمِنَ الْوَفَاءِ: أَنْ لَا يُصَادِقَ عَدُوَّ صَدِيقِهِ، قَالَ «الشَّافِعِيُّ» رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِذَا أَطَاعَ صَدِيقُكَ عَدُوَّكَ فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي عَدَاوَتِكَ» .
الْحَقُّ الثَّامِنُ التَّخْفِيفُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ وَالتَّكْلِيفِ:
وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُكَلِّفَ أَخَاهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ يُرَوِّحُ سِرَّهُ مِنْ مُهِمَّاتِهِ وَحَاجَاتِهِ وَيُرَفِّهُهُ عَلَى أَنْ يُحَمِّلَهُ شَيْئًا مِنْ أَعْبَائِهِ، فَلَا يُكَلِّفُهُ الْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ، بَلْ لَا يَقْصِدُ بِمَحَبَّتِهِ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى اسْتِعَانَةً بِهِ عَلَى دِينِهِ وَاسْتِئْنَاسًا بِلِقَائِهِ وَتَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: «مَنِ اقْتَضَى مِنْ إِخْوَانِهِ مَا لَا يَقْتَضُونَهُ مِنْهُ فَقَدْ ظَلَمَهُمْ، وَمَنِ اقْتَضَى مِنْهُمْ مِثْلَ مَا يَقْتَضُونَهُ فَقَدْ أَتْبَعَهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَقْتَضِ فَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِمْ» ، وَتَمَامُ التَّخْفِيفِ بِطَيِّ بِسَاطِ التَّكْلِيفِ حَتَّى لَا يَسْتَحْيِيَ مِنْهُ فِيمَا لَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ نَفْسَهُ.
وَقَالَ «علي» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «شَرُّ الْأَصْدِقَاءِ مَنْ تَكَلَّفَ لَكَ وَمَنْ تَكَلَّفَ لَكَ، وَمَنْ أَحْوَجَكَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَأَلْجَأَكَ إِلَى اعْتِذَارٍ» .
وَقَالَ «الفضل» : «إِنَّمَا تَقَاطَعَ النَّاسُ بِالتَّكَلُّفِ، يَزُورُ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ فَيَتَكَلَّفُ لَهُ فَيَقْطَعُهُ ذَلِكَ عَنْهُ» .
وَكَانَ «جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «أَثْقَلُ إِخْوَانِي عَلَيَّ مَنْ يَتَكَلَّفُ وَأَتَحَفَّظُ مِنْهُ، وَأَخَفُّهُمْ عَلَى قَلْبِي مَنْ أَكُونَ مَعَهُ كَمَا أَكُونُ وَحْدِي» .
وَمِنَ التَّخْفِيفِ وَتَرْكِ التَّكَلُّفِ: أَنْ لَا يَعْتَرِضَ فِي نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ، كَانَ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ يَصْطَحِبُونَ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمْ إِنْ أَكَلَ النَّهَارَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ صَاحِبُهُ: صُمْ، وَإِنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ: أَفْطِرْ، وَإِنْ نَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ: قُمْ، وَإِنْ صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ: نَمْ، وَتَسْتَوِي حَالَاتُهُ عِنْدَهُ بِلَا مَزِيدٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَقَدْ قِيلَ: «مَنْ سَقَطَتْ كُلْفَتُهُ دَامَتْ أُلْفَتُهُ، وَمَنْ خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ دَامَتْ مَوَدَّتُهُ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «إِذَا عَمِلَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِ أَخِيهِ أَرْبَعَ خِصَالٍ فَقَدْ تَمَّ أُنْسُهُ بِهِ: إِذَا أَكَلَ عِنْدَهُ وَدَخَلَ الْخَلَاءَ وَصَلَّى وَنَامَ» ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فَقَالَ: «بَقِيَتْ خَامِسَةٌ وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ الْأَهْلِ فِي بَيْتِ أَخِيهِ» لِأَنَّ الْبَيْتَ يُتَّخَذُ لِلِاسْتِخْفَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسِ، وَإِلَّا فَالْمَسَاجِدُ أَرْوَحُ لِصَلَاةِ الْمُتَعَبِّدِينَ، فَإِذَا فَعَلَ هَذِهِ الْخَمْسَ فَقَدْ تَمَّ الْإِخَاءُ وَارْتَفَعَتِ الْحِشْمَةُ وَتَأَكَّدَ الِانْبِسَاطُ.
وَقَوْلُ الْعَرَبِ فِي تَسْلِيمِهِمْ يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ إِذْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ