هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الْآدَابِ الظَّاهِرَةِ، وَأَمَّا الْآدَابُ الْبَاطِنَةُ: فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْهَا، وَجُمْلَتُهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ إِلَّا إِذَا كَانَ زِيَادَةً فِي عِلْمِهِ فِي السَّفَرِ، وَيَنْوِي فِي دُخُولِ كُلِّ بَلْدَةٍ أَنْ يَرَى شُيُوخَهَا الْحُكَمَاءَ وَيَجْتَهِدَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَدَبًا أَوْ كَلِمَةً لِيَنْتَفِعَ بِهَا وَيَنْفَعَ بِهَا. وَإِذَا قَصَدَ زِيَارَةَ أَخٍ لَهُ فَلَا يُقِمْ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ حَدُّ الضِّيَافَةِ إِلَّا إِذَا شَقَّ عَلَى أَخِيهِ مُفَارَقَتُهُ، وَلَا يَشْغَلُ نَفْسَهُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ بَرَكَةَ سَفَرِهِ.
مَا لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ تَعَلُّمِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ
اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَحْتَاجُ فِي أَوَّلِ سَفَرِهِ إِلَى أَنْ يَتَزَوَّدَ لِدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَأَمَّا زَادُ الدُّنْيَا: فَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ زَادٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ فِي قَافِلَةٍ أَوْ بَيْنَ قُرًى مُتَّصِلَةٍ، وَإِنْ رَكِبَ الْبَادِيَةَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ قَوْمٍ لَا طَعَامَ مَعَهُمْ وَلَا شَرَابَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ أُسْبُوعًا أَوْ عَشْرًا مَثَلًا أَوْ يَكْتَفِي بِالْحَشِيشِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةُ الصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَلَا الِاجْتِزَاءُ بِالْحَشِيشِ فَخُرُوجُهُ مِنْ غَيْرِ زَادٍ مَعْصِيَةٌ، فَإِنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَى التَّوَكُّلِ التَّبَاعُدُ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُسَخِّرَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا أَوْ شَخْصًا آخَرَ حَتَّى يَصُبَّ الْمَاءَ فِي فِيهِ.
وَأَمَّا زَادُ الْآخِرَةِ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي طَهَارَتِهِ وَصَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ وَعِبَادَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ يُفِيدُ فِي الطَّهَارَةِ رُخْصَتَيْنِ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ وَالتَّيَمُّمَ، وَفِي صَلَاةِ الْفَرْضِ رُخْصَتَيْنِ الْقَصْرَ وَالْجَمْعَ، وَفِي النَّفْلِ رُخْصَتَيْنِ أَدَاءَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَأَدَاءَهُ مَاشِيًا، وَفِي الصَّوْمِ رُخْصَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْفِطَرُ.
فَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ: فَقَالَ «صفوان بن عسال» : «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَلَيَالِيهِنَّ» . فَكُلُّ مَنْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ مُبِيحَةٍ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفِّهِ مِنْ وَقْتِ حَدَثِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا، أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِنْ كَانَ مُقِيمًا.
وَأَمَّا التَّيَمُّمُ: فَالتُّرَابُ بَدَلٌ عَنِ الْمَاءِ عِنْدَ الْعُذْرِ كَبُعْدِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ لَوْ مَشَى إِلَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ غَوْثُ الْقَافِلَةِ إِنْ صَاحَ أَوِ اسْتَغَاثَ، أَوْ نَزَلَ عَلَى الْمَاءِ عَدُوٌّ أَوْ سَبُعٌ، أَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لِعَطَشِهِ أَوْ عَطِشِ أَحَدِ رُفَقَائِهِ، فَيَتَيَمَّمُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَإِنْ بِيعَ الْمَاءُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ أَوْ بِغَبْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ.
وَأَمَّا الْقَصْرُ: فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إِلَّا بِمُفَارَقَةِ عُمْرَانِ الْبَلَدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute