للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كِتَابُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ

فَضْلُ ذِكْرِ الْمَوْتِ:

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» وَعَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ وَيُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا» وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا» وَعَنْهُ: «أَكْيَسُ النَّاسِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الْآخِرَةِ» .

وَعَنْ «مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ» قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْمَوْتَ قَدْ نَغَّصَ عَلَى أَهْلِ النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ فَاطْلُبُوا نَعِيمًا لَا مَوْتَ فِيهِ» .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنْهَمِكَ فِي الدُّنْيَا الْمُكِبَّ عَلَى غُرُورِهَا الْمُحِبَّ لِشَهَوَاتِهَا يَغْفُلُ قَلْبُهُ لَا مَحَالَةَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَلَا يَذْكُرُهُ، وَإِذَا ذُكِّرَ بِهِ كَرِهَهُ وَنَفَرَ مِنْهُ، أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الْجُمُعَةِ: ٨] . ثُمَّ النَّاسُ إِمَّا مُنْهَمِكٌ وَإِمَّا تَائِبٌ مُبْتَدِئٌ وَإِمَّا عَارِفٌ مُنْتَهٍ.

أَمَّا الْمُنْهَمِكُ فَلَا يَذْكُرُ الْمَوْتَ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فَيَذْكُرُهُ لِلتَّأَسُّفِ عَلَى دُنْيَاهُ وَيَشْتَغِلُ بِمَذِمَّتِهِ، وَهَذَا يَزِيدُهُ ذِكْرُ الْمَوْتِ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا.

وَأَمَّا التَّائِبُ فَإِنَّهُ يُكْثِرُ مَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ لِيَنْبَعِثَ بِهِ مِنْ قَلْبِهِ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ فَيَفِيَ بِتَمَامِ التَّوْبَةِ.

وَأَمَّا الْعَارِفُ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْمَوْتَ دَائِمًا لِأَنَّهُ مَوْعِدٌ لِلِقَائِهِ لِحَبِيبِهِ، وَالْمُحِبُّ لَا يَنْسَى قَطُّ مَوْعِدَ لِقَاءِ الْحَبِيبِ.

ثُمَّ إِنَّ أَنْجَعَ طَرِيقٍ فِي ذِكْرِ الْمَوْتِ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ أَشْكَالِهِ وَأَقْرَانِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ، فَيَتَذَكَّرَ مَوْتَهُمْ وَمَصَارِعَهُمْ تَحْتَ التُّرَابِ، وَيَتَذَكَّرَ صُوَرَهُمْ فِي مَنَاصِبِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، وَيَتَأَمَّلَ كَيْفَ مَحَا التُّرَابُ الْآنَ حُسْنَ صُوَرِهِمْ وَكَيْفَ تَبَدَّدَتْ أَجَزَاؤُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَخَلَتْ مِنْهُمْ مَسَاجِدُهُمْ

<<  <   >  >>