للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دَرَجَاتِ الْحِقْدِ لَوِ احْتَرَزَ عَنْ هَذِهِ الْآفَاتِ الثَّمَانِي أَنْ يَتْرُكَ الْبَشَاشَةَ، أَوِ الرِّفْقَ، وَالْعِنَايَةَ، وَالْقِيَامَ بِحَاجَاتِهِ، أَوِ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَهُ، وَكُلُّهُ مِمَّا يُنْقِصُ الدَّرَجَةَ فِي الدِّينِ، وَيُفَوِّتُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ.

وَلَمَّا حَلَفَ «أبو بكر» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى «مسطح» - وَكَانَ قَرِيبَهُ - لِأَمْرٍ مَا، نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النُّورِ: ٢٢] فَقَالَ «أبو بكر» : «نَعَمْ نُحِبُّ ذَلِكَ» وَعَادَ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ. . . وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْإِحْسَانِ مُجَاهَدَةً لِلنَّفْسِ وَإِرْغَامًا لِلشَّيْطَانِ، فَذَلِكَ مَقَامُ الصِّدِّيقِينَ، وَهُوَ مِنْ

فَضَائِلِ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ.

فَضِيلَةُ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ:

اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَفْوِ أَنْ يَسْتَحِقَّ حَقًّا فَيُسْقِطَهُ وَيَبْرَأَ عَنْهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ غَرَامَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الْأَعْرَافِ: ١٩٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [الْبَقَرَةِ: ٢٣٧] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " التَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا رِفْعَةً، فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اللَّهُ، وَالْعَفْوُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا عِزًّا، فَاعْفُوا يُعِزُّكُمُ اللَّهُ، وَالصَّدَقَةُ لَا تَزِيدُ الْمَالَ إِلَّا كَثْرَةً، فَتَصَدَّقُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْضَلُ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ "، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِيرٍ يُعَرِّضُ لَهُ بِالْعَفْوِ، فَذَكَرَ " الحسن " قِصَّةَ " يُوسُفَ " عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا صَنَعَ بِهِ إِخْوَتُهُ، وَمِنْ بَيْعِهِمْ إِيَّاهُ، وَطَرْحِهِمْ لَهُ فِي الْجُبِّ، فَقَالَ: " بَاعُوا أَخَاهُمْ وَأَحْزَنُوا أَبَاهُمْ "، وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ كَيْدِ النِّسَاءِ وَمِنَ الْحَبْسِ، ثُمَّ قَالَ: " أَيُّهَا الْأَمِيرُ مَاذَا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ؟ أَدَالَهُ مِنْهُمْ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ، وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ، وَجَعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَمَاذَا صَنَعَ حِينَ أَكْمَلَ لَهُ أَمْرَهُ وَجَمَعَ أَهْلَهُ؟ قَالَ: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يُوسُفَ: ٩٢] فَعَفَا ذَلِكَ الْأَمِيرُ. وَرُوِيَ أَنَّ " ابْنَ مَسْعُودٍ " سُرِقَتْ لَهُ دَرَاهِمُ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا، فَقَالَ لَهُمْ: " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ حَمَلَتْهُ عَلَى أَخْذِهَا حَاجَةٌ فَبَارِكْ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ حَمَلَتْهُ جَرَاءَةٌ عَلَى الذَّنْبِ فَاجْعَلْهُ آخِرَ ذُنُوبِهِ ". وَقَالَ " معاوية ": " عَلَيْكُمْ بِالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ، فَإِذَا أَمْكَنَتْكُمُ الْفُرْصَةُ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّفْحِ وَالْإِفْضَالِ ".

فَضِيلَةُ الرِّفْقِ:

اعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ مَحْمُودٌ وَيُضَادُّهُ الْعُنْفُ وَالْحِدَّةُ، وَالْعُنْفُ نَتِيجَةُ الْغَضَبِ وَالْفَظَاظَةِ، وَالرِّفْقُ وَاللِّينُ نَتِيجَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّلَامَةِ، وَلَا يَحْسُنُ الْخُلُقُ إِلَّا بِضَبْطِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَحِفْظِهَا عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ؛ وَلِأَجْلِ هَذَا أَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرِّفْقِ، وَبَالَغَ فِيهِ فَقَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ

<<  <   >  >>