للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسودة: «كُلِي» ، فَقَالَتْ: «لَا أُحِبُّهُ» ، فَقُلْتُ: «وَاللَّهِ لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ بِهِ وَجْهَكِ» ، فَقَالَتْ: «مَا أَنَا ذَائِقَتُهُ» ، فَأَخَذْتُ بِيَدِي مِنَ الصَّحْفَةِ شَيْئًا مِنْهُ فَلَطَّخْتُ بِهِ وَجْهَهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَخَفَضَ لَهَا رُكْبَتَهُ لِتَسْتَقِيدَ، فَتَنَاوَلَتْ مِنَ الصَّحْفَةِ شَيْئًا فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْحَكُ.

وَعَنْ «أبي سلمة» أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْلِعُ لِسَانَهُ «لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَيَرَى الصَّبِيُّ لِسَانَهُ فَيَهَشُّ لَهُ.

وَقَالَ: «عيينة الفزاري» : «وَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِيَ الِابْنُ قَدْ تَزَوَّجَ وَبَقَلَ وَجْهُهُ وَمَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ» ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» .

فَأَكْثَرُ هَذِهِ الْمُطَايَبَاتِ مَنْقُولَةٌ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَالَجَةً لِضَعْفِ قُلُوبِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى هَزْلٍ.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً «لصهيب» وَبِهِ رَمَدٌ وَهُوَ يَأْكُلُ تَمْرًا: «أَتَأْكُلُ التَّمْرَ وَأَنْتَ رَمِدٌ» فَقَالَ: «إِنَّمَا آكُلُ بِالشِّقِّ الْآخَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَتَبَسَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: «حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ» .

وَكَانَ «نعيمان الأنصاري» رَجُلًا مَزَّاحًا، لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ طَرْفَةً إِلَّا اشْتَرَى مِنْهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا قَدِ اشْتَرَيْتُهُ لَكَ وَأَهْدَيْتُهُ لَكَ» فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَتَقَاضَاهُ بِالثَّمَنِ جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِهِ ثَمَنَ مَتَاعِهِ» فَيَقُولُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَلَمْ تُهْدِهِ لَنَا؟!» فَيَقُولُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي ثَمَنُهُ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ» فَيَضْحَكُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ. فَهَذِهِ مُطَايَبَاتٌ يُبَاحُ مِثْلُهَا عَلَى النُّدُورِ لَا عَلَى الدَّوَامِ.

الْآفَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ:

وَهُوَ مُحَرَّمٌ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) [الْحُجُرَاتِ: ١١] .

وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ

<<  <   >  >>