مُضْحِكٌ بِالْحِكَايَاتِ وَأَنْوَاعِ النَّوَادِرِ فَإِنْ كَانَ يُضْحِكُ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ لَمْ يَجُزِ الْحُضُورُ، وَعِنْدَ الْحُضُورِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمَزْحٍ لَا كَذِبَ فِيهِ وَلَا فُحْشَ فَهُوَ مُبَاحٌ أَعْنِي مَا يُقِلُّ مِنْهُ، فَأَمَّا اتِّخَاذُهُ صَنْعَةً وَعَادَةً فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ. وَمِنْهَا الْإِسْرَافُ فِي الطَّعَامِ وَالْبِنَاءِ فَهُوَ مُنْكَرٌ، بَلْ فِي الْمَالِ مُنْكَرَانِ: أَحَدُهُمَا الْإِضَاعَةُ، وَالْآخَرُ الْإِسْرَافُ، فَالْإِضَاعَةُ تَفْوِيتُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ يُعْتَدُّ بِهَا كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ وَتَمْزِيقِهِ وَفِي مَعْنَاهُ صَرْفُ الْمَالِ إِلَى النَّائِحَةِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصَّرْفِ إِلَى الْمُبَاحَاتِ فِي جِنْسِهَا وَلَكِنْ مَعَ الْمُبَالَغَةِ، وَالْمُبَالَغَةُ تَخْتَلِفُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَحْوَالِ قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [الْإِسْرَاءِ: ٢٩] وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الْإِسْرَاءِ: ٢٦ وَ ٢٧] وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الْفُرْقَانِ: ٦٧] فَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا مِائَةَ دِينَارٍ مَثَلًا وَمَعَهُ عِيَالُهُ وَأَوْلَادُهُ وَلَا مَعِيشَةَ لَهُمْ سِوَاهُ فَأَنْفَقَ الْجَمِيعَ فِي وَلِيمَةٍ فَهُوَ مُسْرِفٌ يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ صَرَفَ جَمِيعَ مَالِهِ إِلَى نُقُوشِ حِيطَانِهِ وَتَزْيِينِ بُنْيَانِهِ فَهُوَ أَيْضًا إِسْرَافٌ مُحَرَّمٌ، وَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ التَّزْيِينَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي التَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ فَذَلِكَ مُبَاحٌ فِي جِنْسِهِ وَيَصِيرُ إِسْرَافًا بِاعْتِبَارِ حَالِ الرَّجُلِ وَثَرْوَتِهِ.
الْمُنْكَرَاتُ الْعَامَّةُ:
اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قَاعِدٍ فِي بَيْتِهِ أَيْنَمَا كَانَ فَلَيْسَ خَالِيًا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ مُنْكَرٍ مِنْ حَيْثُ التَّقَاعُدُ عَنْ إِرْشَادِ النَّاسِ وَتَعْلِيمِهِمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْمَعْرُوفِ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ جَاهِلُونَ بِالشَّرْعِ فِي الْبِلَادِ فَكَيْفَ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَمَحَلَّةٍ مِنَ الْبَلَدِ فَقِيهٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، وَكَذَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ، وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ فَقِيهٍ فَرَغَ مِنْ فَرْضِ عَيْنِهِ وَتَفَرَّغَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَنْ يُجَاوِرُ بَلَدَهُ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ وَالْعَرَبِ وَيُعَلِّمُهُمْ دِينَهُمْ وَفَرَائِضَ شَرْعِهِمْ، فَإِنْ قَامَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَاحِدٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فَيُصْلِحَهَا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، ثُمَّ يُعَلِّمُ ذَلِكَ أَهْلَ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَتَعَدَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمْ فِي جِيرَانِهِ، ثُمَّ إِلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ، ثُمَّ إِلَى أَهْلِ بَلَدِهِ، ثُمَّ إِلَى أَهْلِ السَّوَادِ الْمُكْتَنِفِ بِبَلَدِهِ، ثُمَّ إِلَى أَهْلِ الْبَوَادِي، وَهَكَذَا إِلَى أَقْصَى الْعَالَمِ، فَإِنْ قَامَ بِهِ الْأَدْنَى سَقَطَ عَنِ الْأَبْعَدِ وَإِلَّا حَرَجَ بِهِ كُلُّ قَادِرٍ عَلَيْهِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute