وَأَنْفَعَ النَّاسِ لِلنَّاسِ. وَلَمْ تَكُنْ تُرْفَعُ فِي مَجْلِسِهِ الْأَصْوَاتُ، وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» .
بَيَانُ كَلَامِهِ وَضَحِكِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:
كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْصَحَ النَّاسِ مَنْطِقًا وَأَحْلَاهُمْ كَلَامًا وَيَقُولُ: «أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ» وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ، يَحْفَظُهُ سَامِعُهُ وَيَعِيهِ، وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ أَحْسَنَ النَّاسِ نَغَمَةً، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا يَقُولُ فِي الرِّضَاءِ وَالْغَضَبِ إِلَّا الْحَقَّ، وَيُعْرِضُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ جَمِيلٍ، وَيُكَنِّي عَمَّا اضْطَرَّهُ الْكَلَامُ إِلَيْهِ مِمَّا يَكْرَهُ. وَكَانَ إِذَا سَكَتَ تَكَلَّمَ جُلَسَاؤُهُ، وَلَا يُتَنَازَعُ عِنْدَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَيَعِظُ بِالْجِدِّ وَالنَّصِيحَةِ. وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَسُّمًا وَضَحِكًا فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَتَعَجُّبًا مِمَّا تَحَدَّثُوا بِهِ وَخَلْطًا لِنَفْسِهِ بِهِمْ، وَلَرُبَّمَا ضَحِكَ حَتَّى تَبْدُوَ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ ضَحِكُ أَصْحَابِهِ عِنْدَهُ التَّبَسُّمَ اقْتِدَاءً بِهِ وَتَوْقِيرًا لَهُ. وَكَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْأَمْرُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ وَتَبَرَّأَ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَاسْتَنْزَلَ الْهُدَى فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» .
أَخْلَاقُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ:
كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مَا وَجَدَ، وَإِذَا وُضِعَتِ الْمَائِدَةُ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا نِعْمَةً مَشْكُورَةً تَصِلُ بِهَا نِعْمَةَ الْجَنَّةِ» . وَكَانَ لَا يَأْكُلُ الْحَارَّ وَيَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْعِمْنَا نَارًا فَأَبْرِدُوهُ» وَكَانَ يَأْكُلُ مِمَّا يَلِيهِ، وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْقِثَّاءِ بِالرُّطَبِ. وَكَانَ أَكْثَرُ طَعَامِهِ الْمَاءَ وَالتَّمْرَ، وَأَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ اللَّحْمَ، وَكَانَ يَأْكُلُ الثَّرِيدَ بِاللَّحْمِ، وَيُحِبُّ الْقَرْعَ، وَكَانَ يُحِبُّ مِنَ الشَّاةِ الذِّرَاعَ وَالْكَتِفَ وَلَا يُحِبُّ مِنْهَا الْكُلْيَتَيْنِ وَلَا الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَلَا الْمَثَانَةَ وَالْغُدَدَ وَالْحَيَاءَ وَيَكْرَهُ ذَلِكَ. وَكَانَ لَا يَأْكُلُ الثُّومَ وَلَا الْبَصَلَ. وَمَا ذَمَّ طَعَامًا قَطُّ، إِنْ أَعْجَبَهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. وَكَانَ يَعَافُ الضَّبَّ وَالطِّحَالَ وَلَا يُحَرِّمُهُمَا. وَكَانَ إِذَا فَرَغَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَطْعَمْتَ فَأَشْبَعْتَ وَسَقَيْتَ فَأَرْوَيْتَ لَكَ الْحَمْدُ غَيْرَ مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ» وَكَانَ إِذَا أَكَلَ اللَّحْمَ غَسَلَ يَدَيْهِ غَسْلًا جَيِّدًا. وَكَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلَاثِ دُفُعَاتٍ، وَيَمُصُّ الْمَاءَ مَصًّا وَلَا يَعُبُّهُ عَبًّا وَلَا يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ بَلْ يَنْحَرِفُ عَنْهُ. وَكَانَ رُبَّمَا قَامَ فِي بَيْتِهِ فَأَخَذَ مَا يَأْكُلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْرَبُ.
أَخْلَاقُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي اللِّبَاسِ:
كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ مَا وَجَدَ، وَأَكْثَرُ لِبَاسِهِ الْبَيَاضُ، وَكَانَتْ ثِيَابُهُ كُلُّهَا مُشَمَّرَةً فَوْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute