وَسَاوِسَ يَخْدَعُهُمُ الشَّيْطَانُ بِهَا، وَالْإِبَاحَيَّةُ مِنَ الْكُفَّارِ الْمَارِقِينَ. نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
وَفِرْقَةٌ ادَّعَوْا حُسْنَ الْخُلُقِ وَالتَّوَاضُعَ وَالسَّمَاحَةَ فَتَصَدَّوْا لِخِدْمَةِ الصُّوفِيَّةِ فَجَمَعُوا قَوْمًا وَتَكَلَّفُوا بِخِدْمَتِهِمْ وَاتَّخَذُوا ذَلِكَ شَبَكَةً لِلرِّيَاسَةِ وَجَمْعِ الْمَالِ، فَيَجْمَعُونَ مِنَ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ وَيُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ لِتَكْثُرَ أَتْبَاعُهُمْ وَيَنْتَشِرَ بِالْخِدْمَةِ اسْمُهُمْ، وَمَا بَاعِثُهُمْ إِلَّا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ.
وَثَمَّةَ فِرَقٌ أُخَرُ لَا يُحْصَى غُرُورُهَا، وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثِلَةٍ تُعَرِّفُ الْأَجْنَاسَ دُونَ الِاسْتِيعَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَطُولُ.
غُرُورُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ:
وَالْمُغْتَرُّونَ مِنْهُمْ فِرَقٌ: فَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَمَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ لِيَتَخَلَّدَ ذِكْرُهُمْ أَوْ يَذِيعَ صِيتُهُمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدِ اسْتَحَقُّوا الْمَغْفِرَةَ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِنْ جِهَاتٍ مَحْظُورَةٍ تَعَرَّضُوا لِسُخْطِ اللَّهِ فِي كَسْبِهَا، وَكَانَ الْوَاجِبُ رَدَّهَا إِلَى مُلَّاكِهَا إِمَّا بِأَعْيَانِهَا وَإِمَّا رَدُّ بَدَلِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَهَمُّ التَّفْرِقَةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ لَا يَظْهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ فَيَكُونُ غَرَضُهُمْ فِي الْبِنَاءِ الرِّيَاءَ وَجَلْبَ الثَّنَاءِ، مَعَ أَنَّ صَرْفَ الْمَالِ إِلَى مَنْ فِي جِوَارِهِ أَوْ بَلَدِهِ مِنْ فُقَرَاءَ وَأَيْتَامٍ أَهَمُّ وَأَفْضَلُ وَأَوْلَى مِنَ الصَّرْفِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَزِينَتِهَا، فَمَا خَفَّ عَلَيْهِمُ الصَّرْفُ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِلَّا لِيَظْهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ. وَهُنَاكَ مَحْظُورٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُصْرَفُ الْمَالُ إِلَى زَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِالنُّقُوشِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِشَغْلِهَا قُلُوبَ الْمُصَلِّينَ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَحُضُورُ الْقَلْبِ وَذَلِكَ يُفْسِدُ قُلُوبَ الْمُصَلِّينَ ; فَوَبَالُ ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَغْتَرُّ بِهِ، وَيَرَى أَنَّهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَعَ أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى.
وَفِرْقَةٌ يُنْفِقُونَ الْأَمْوَالَ فِي الصَّدَقَاتِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَطْلُبُونَ بِهِ الْمَحَافِلَ الْجَامِعَةَ، وَمِنَ الْفُقَرَاءِ مَنْ عَادَتُهُ الشُّكْرُ وَإِفْشَاءُ الْمَعْرُوفِ، وَيَكْرَهُونَ التَّصَدُّقَ فِي السِّرِّ، وَيَرَوْنَ إِخْفَاءَ الْفَقِيرِ لِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ جِنَايَةً عَلَيْهِمْ وَكُفْرَانًا، وَرُبَّمَا يَحْرِصُونَ عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْحَجِّ فَيَحُجُّونَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَرُبَّمَا تَرَكُوا جِيرَانَهُمْ جِيَاعًا، وَلِذَلِكَ قَالَ «ابْنُ مَسْعُودٍ» : «فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ الْحَاجُّ بِلَا سَبَبٍ، يَهُونُ عَلَيْهِمُ السَّفَرُ، وَيُبْسَطُ لَهُمْ فِي الرِّزْقِ، وَيَرْجِعُونَ مَحْرُومِينَ مَسْلُوبِينَ، يَهْوِي بِأَحَدِهِمْ بَعِيرُهُ بَيْنَ الرِّمَالِ وَالْقِفَارِ وَجَارُهُ مَأْسُورٌ إِلَى جَنْبِهِ لَا يُوَاسِيهِ» وَقَالَ «أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ» : «إِنَّ رَجُلًا جَاءَ يُوَدِّعُ» بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ «وَقَالَ:» قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْحَجِّ فَتَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ «؟ فَقَالَ لَهُ:» كَمْ أَعْدَدْتَ لِلنَّفَقَةِ «؟ قَالَ:» أَلْفَيْ دِرْهَمٍ «، قَالَ» بشر «:» فَأَيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute