للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِصَاحِبِهِ: «مَرْحَبًا أَهْلًا وَسَهْلًا» أَيْ لَكَ عِنْدَنَا مَرْحَبٌ وَهُوَ السَّعَةُ فِي الْقَلْبِ وَالْمَكَانِ، وَلَكَ عِنْدَنَا أَهْلٌ تَأْنَسُ بِهِمْ بِلَا وَحْشَةٍ لَكَ مِنَّا، وَلَكَ عِنْدَنَا سُهُولَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ لَا يَشْتَدُّ عَلَيْنَا شَيْءٌ مِمَّا تُرِيدُ.

وَلَا يَتِمُّ التَّخْفِيفُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ إِلَّا بِأَنْ يَرَى نَفْسَهُ دُونَ إِخْوَانِهِ وَيُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِمْ وَيُسِيءَ الظَّنَّ بِنَفْسِهِ، وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ، فَهَذِهِ أَقَلُّ الدَّرَجَاتِ وَهُوَ النَّظَرُ بِعَيْنِ الْمُسَاوَاةِ وَالْكَمَالِ فِي رُؤْيَةِ الْفَضْلِ لِلْأَخِ، وَمَهْمَا رَأَى الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ فَقَدِ احْتَقَرَ أَخَاهُ وَهَذَا فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ مَذْمُومٌ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» .

وَمِنْ تَتِمَّةِ الِانْبِسَاطِ وَتَرْكِ التَّكَلُّفِ أَنْ يُشَاوِرَ إِخْوَانَهُ فِي كُلِّ مَا يَقْصِدُهُ وَيَقْبَلَ إِشَارَتَهُمْ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٩] فَهَذَا جَامِعُ حُقُوقِ الصُّحْبَةِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ تُنْزِلَ نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْخَادِمِ لَهُمْ فَتُقَيِّدَ بِحُقُوقِهِمْ جَمِيعَ جَوَارِحِكَ.

أَمَّا الْبَصَرُ: فَبِأَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِمْ نَظَرَ مَوَدَّةٍ يَعْرِفُونَهَا مِنْكَ وَتَنْظُرَ إِلَى مَحَاسِنِهِمْ وَتَتَعَامَى عَنْ عُيُوبِهِمْ، وَلَا تَصْرِفَ بَصَرَكَ عَنْهُمْ فِي وَقْتِ إِقْبَالِهِمْ عَلَيْكَ وَكَلَامِهِمْ مَعَكَ، رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ نَصِيبًا مِنْ وَجْهِهِ لَا يَظُنُّ جَلِيسُهُ إِلَّا أَنَّهُ أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَسُّمًا وَضَحِكًا فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَتَعَجُّبًا مِمَّا يُحَدِّثُونَهُ.

وَأَمَّا السَّمْعُ: فَبِأَنْ تَسْمَعَ كَلَامَهُمْ مُتَلَذِّذًا بِسَمَاعِهِ وَمُصَدِّقًا بِهِ وَمُظْهِرًا لِلِاسْتِبْشَارِ بِهِ، وَلَا تَقْطَعَ حَدِيثَهُمْ عَلَيْهِمْ بِمُرَادَّةٍ وَلَا مُنَازَعَةٍ وَمُدَاخَلَةٍ وَاعْتِرَاضٍ، فَإِنْ أَرْهَقَكَ عَارِضٌ اعْتَذَرْتَ إِلَيْهِمْ.

وَأَمَّا اللِّسَانُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا حُقُوقَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُخَاطِبَهُمْ إِلَّا بِمَا يَفْقَهُونَ.

وَأَمَّا الْيَدَانِ: فَأَنْ لَا يَقْبِضَهُمَا عَنْ مُعَاوَنَتِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَتَعَاطَى بِالْيَدِ.

وَأَمَّا بِالرِّجْلَانِ: فَبِأَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُمْ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُقَدِّمُونَهُ وَلَا يَقْرَبَ مِنْهُمْ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُقَرِّبُونَهُ، وَيَقُومَ لَهُمْ إِذَا أَقْبَلُوا وَلَا يَقْعُدَ إِلَّا بِقُعُودِهِمْ، وَيَقْعُدَ مُتَوَاضِعًا حَيْثُ يَقْعُدُ.

خَاتِمَةٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ آدَابِ الْمَعِيشَةِ وَالْمُجَالَسَةِ مَعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ:

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «إِنْ أَرَدْتَ حُسْنَ الْمَعِيشَةِ فَالْقَ صَدِيقَكَ وَعَدُوَّكَ بِوَجْهِ الرِّضَا، وَتَوَقَّرْ مِنْ غَيْرِ كِبْرٍ، وَتَوَاضَعْ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ، وَكُنْ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فِي أَوْسَطِهَا، فَكِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ» . وَلَا تَنْظُرْ فِي عِطْفَيْكَ، وَلَا تُكْثِرِ الِالْتِفَاتَ، وَلَا تَقِفْ عَلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِذَا جَلَسْتَ فَلَا تَسْتَوْفِزْ وَتَحَفَّظْ مِنْ تَشْبِيكِ أَصَابِعِكَ وَالْعَبَثِ بِلِحْيَتِكَ وَخَاتَمِكَ وَتَخْلِيلِ أَسْنَانِكَ وَإِدْخَالِ أُصْبُعِكَ فِي أَنْفِكَ وَكَثْرَةِ بُصَاقِكَ وَتَنَخُّمِكَ، وَكَثْرَةِ التَّمَطِّي وَالتَّثَاؤُبِ فِي وُجُوهِ النَّاسِ وَفِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلْيَكُنْ مَجْلِسُكَ هَادِئًا وَحَدِيثُكَ مَنْظُومًا مُرَتَّبًا. وَأَصْغِ إِلَى الْكَلَامِ الْحَسَنِ مِمَّنْ حَدَّثَكَ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ تَعَجُّبٍ مُفْرِطٍ، وَلَا تَسْأَلْهُ إِعَادَتَهُ. وَاسْكُتْ عَنِ الْمَضَاحِكِ وَلَا تُحَدِّثْ عَنْ

<<  <   >  >>