التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الحج المأزور غير المأجور، وذلك في الصورة الكلية المقابلة للصورة الأولى، في إيقاع موسيقي ناشز تنفر منه الأذواق والآذان، غنية بالعناصر الفنية البليغة، التي تثير الاشمئزاز في النفس، وينفر منها الوجدان العامر بالإيمان بالله الخالص، فكل عنصر هنا يدل على النقيض من الصورة الأولى؛ فقد أخْفِيَ الفاعل وأضمِرَ ذكره صراحة، وكذلك صفته وهي "الحاج وحاجًا" كما في الصورة الأولى؛ لأنه هنا لا يستحق الذكر تحقيرًا له وإنكارًا لصنيعه ولنفقته وسعيه للحج، فقال:"إذا خرج"، بلا ذكر لذاته ولا لصفته، ثم صور هنا النفقة والزاد والراحلة بالخبيث والحرام ترهيبًا وتنفيرًا، فهو يقابل الطيب الحلال هناك ترغيبًا وتبشيرًا، ثم جاءت صفة التلبية هنا غير كاملة لمجرد الرمز فقط، مجردة من شرف النداء ولفظ الجلالة، ومن شرف تكرارها ولذتها الروحية "لبيك" فقط، لأنه لا يستحق شرف طهارة النسك وسموه، كما لا يستحق ثوابه الجزيل، ومكافأته الكبرى، ثم تصوير الدعاء عليه لا له، بأن الله تعالى لم يجب حجته إجابة بعد إجابة، بل رفضها رفضًا بعد رفض؛ فهو لا يستحق الرحمة والرضوان في قوله:"لا لبيك ولا سعديك"، ثم صورة النقيض في الزاد والنفقة، فزاده حرام ونفقته حرام، ثم تصوير إعلان القرار الحاسم والنتيجة الحتمية للمقدمات السابقة في نهاية التصوير الأدبي الرائع:"وحجك مأزور غير مأجور" في إيقاع متوازن بين الصورتين، ونسق موسيقي ناشز في أصوات الحروف والكلمات، تتناقض آلاته وأوتاره، لتعزف لحنين متنافرين في لوحتين فنيتين متعارضتين، تحمل كل منهما قيمًا فنية جميلة ومثيرة، تثير في النفس عاطفة قوية متدفقة، تقبل على اللوحة الأولى حبًا وعشقًا ورغبة ومنهجًا وسلوكًا قويمًا، وتشمئز من الثانية نكرانًا ونفورًا وخوفًا ورهبة،