أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:"يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا"، فقال رجل: أَكُل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها: ثلاثًا، ثم قال -صلى الله عليه وسلم:"لو قلت: نعم، لو جبت، ولما استطعتم"، ثم قال:"ذروني ما تركتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".
روعة التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن فريضة الحج بالعناصر البلاغية التي لا تدع مجالًا للإنكار أو التردد؛ ليكون الحكم قاطعًا والأمر حاسمًا، وذلك في قوله:"إن الله كتب عليكم الحج فحجوا"؛ فأكد الفرضية "بإن" المشددة المؤكدة، وبذكر لفظ الجلالة على سبيل القصر والتأكيد، مقدمًا الجار والمجرور:"عليكم" على المفعول به: "الحج"، بمعنى قصر كتابة الحج وفرضيته على عباده على سبيل الوجوب، وأكد الفرضية بلفظ الفعل الماضي، على سبيل الجزم واليقين والتحقيق، متأثرًا ببلاغة القرآن الكريم في تصوير فريضة الصوم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، وكذلك وجوب الكتابة في آية الدين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} ثم أكد الفرضية بصورتين بليغتين، الأولى: جاءت في حرف "الفاء" التي تدل على الترتيب والتعقيب، فهي لا تعطي فرصة للتأخير أو التردد، بل سرعة التنفيذ على سبيل الإنجاز والسرعة، والثانية في التعبير بفعل الأمر "حجوا" الذي يدل على الإلزام والقطع بلا تردد أو مراجعة.