أخرج ابن حبان والبيهقي عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس"، قيل: يا رسول الله، من أين لنا صدقة نتصدق بها؟ فقال:"إن أبواب الخير لكثيرة؛ التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، ويسمع الأصم، ويهدي الأعمى، وتدل المستدل عن حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم من طريق الناس صدقة، وهديك الرجل في أرض الضالة لك صدقة".
الصدقة الحسية والنفسية: بلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخرجت الصدقة من إطارها المادي التقليدي إلى آفاق رحبة فسيحة، لتتسع إلى معان كثيرة وقيم إنسانية سامية، تتنوع فيها منابع الخير والحب، والمودة والإخاء في النفس البشرية، فلو اقتصرت الصدقة على الجانب المادي وحده؛ للتطهير من الشح وإعانة الفقراء والمحتاجين؛ لتعطلت وتوقف مدها خلال الاكتفاء الذاتي في بعض العصور، كما أشار إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم، حين تبحث عن الفقير، لتعطيه الصدقة فلا تجد، كما حدث في زمن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه، فلم يجد واليه في أفريقيا فقيرًا، يعطيه الزكاة بعد